فصل
والتخيير قد جاء فيه حديثان. وأما تقديم الأم على الأب في حق الصغير فمتفق عليه، وقد جاء فيه حديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رواه أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، فقال: "أنت أحق به ما لم تنكحي". أحمد ، لكن في لفظه: وأبو داود "وأن أباه طلقني وزعم أنه ينتزعه مني".
وقال أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن ابن المنذر: وممن حفظنا عنه ذلك: الزوجين إذا افترقا ولهما ولد طفل أن الأم أحق به ما لم تنكح، يحيى الأنصاري والزهري ومالك [ ص: 426 ] والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، وبه نقول. وقد روينا عن أنه حكم على أبي بكر الصديق به، وبصبي عمر لعاصم لأمه أم عاصم، وقال: حجرها وريحها ومسها خير له منك حتى يشب فيختار.
وأما التخيير: فعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خير غلاما بين أبيه وأمه.
رواه أحمد وابن ماجه وصححه ، ورواه والترمذي وقال فيه: أبو داود ورواه "إن امرأة جاءت فقالت: يا رسول الله! إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عنبة، وقد نفعني. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "استهما عليه". قال زوجها: من يحاققني في ولدي؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هذا أبوك وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت". فأخذ بيد أمه، فانطلقت به. كذلك، ولم يذكر النسائي ورواه "استهما عليه". كذلك أيضا، لكنه قال فيه: أحمد ولم يذكر فيه قولها "جاءت امرأة قد طلقها زوجها"، "قد سقاني ونفعني".
وقد روي عن تخيير الغلام بين أبويه عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب فروى وأبي هريرة، وغيره أن سعيد بن منصور خير غلاما بين أبيه وأمه. وعن عمر بن الخطاب عمارة الجرمي أنه قال: خيرني بين عمي وأمي وكنت ابن سبع أو ثمان . وروي نحو ذلك عن [ ص: 427 ] علي ، ولم يعرف لهم مخالف، مع أنها في مظنة الاشتهار وأما الحديث الثاني فرواه أبي هريرة عن جده عبد الحميد بن جعفر الأنصاري هكذا رواه أن جده أسلم وأبت امرأته أن تسلم، فجاء بابن له صغير لم يبلغ، قال: فأجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - الأب هاهنا والأم هاهنا، ثم خيره وقال: "اللهم اهده"، فذهب إلى أبيه. أحمد . والنسائي
ورواه عن أبو داود قال: أخبرني أبي عن جدي عبد الحميد بن جعفر رافع بن سنان رافع: ابنتي. فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اقعد ناحية"، وقال لها: "اقعدي ناحية"، وأقعد الصبية بينهما، ثم قال: "ادعواها"، فمالت إلى أمها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم اهدها"، فمالت إلى أبيها فأخذها. أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: ابنتي وهي فطيم أو شبيهه، وقال
وعبد الحميد هذا هو عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن رافع بن سنان الأنصاري. وهذا الحديث قد ضعفه بعضهم، فقال في إسناده مقال، وقال غيره: هذا الحديث لا يثبته أهل النقل، وقد روي على غير هذا الوجه، وقد اضطرب فيه هل كان المخير ذكرا أم أنثى؟ ومن روى أنه كان أنثى قال فيه: ابن المنذر: أي مفطومة. "إنها فطيم"
وفعيل بمعنى مفعول إذا كان صفة يستوي فيه المذكر والمؤنث، يقال: عين كحيل، وكف خضيب، فيقال للصغير "فطيم" وللصغيرة "فطيم". ولفظ "الفطيم" إنما يطلق على قريب العهد بالفطم، فيكون له نحو ثلاث سنين، ومثل هذا لا يخير باتفاق العلماء. [ ص: 428 ]
وأيضا فإنه خير بين مسلم وكافر، وهذا لا يجوز عند الأئمة الأربعة وغيرهم، فإن القائلين بالتخيير لا يخيرون بين مسلم وكافر، كالشافعي وأما القائلون بأن الكافرة لها حضانة وأحمد. كأبي حنيفة وابن القاسم فلا يخيرون. لكن يقول بالتخيير، فيما حكاه عنه أبو ثور والجمهور على أنه لا حضانة لكافر، وهو مذهب مالك والشافعي ابن المنذر. والبصريين كسوار وعبد الله بن الحسن.
وقال أبو حنيفة وأبو ثور وابن القاسم صاحب مالك: وهو قول الذمية في ذلك كالمسلمة، وهي أحق بولدها من أبيه المسلم، من أصحاب الإصطخري وقد قيد ذلك الشافعي. فقال: هي أحق بولدها ما لم يعقل الأديان، ويخاف أن يألف الكفر. أبو حنيفة