وإذا قدر أن الأب تزوج بضرة، وهو يتركها عند ضرة أمها، لا تعمل مصلحتها بل تؤذيها أو تقصر في مصلحتها، وأمها تعمل مصلحتها ولا تؤذيها، فالحضانة هنا للأم قطعا، ولو قدر أن التخيير مشروع وأنها اختارت الأم، فكيف إذا لم يكن كذلك؟
ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس له نص عام على تقديم أحد الأبوين مطلقا، ولا تخيير أحد الأبوين مطلقا. والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقا، بل مع العدوان والتفريط والفساد والضرر لا يقدم من يكون كذلك على البر العادل المحسن القائم بالواجب. [ ص: 422 ]
وقد عللوا أيضا تقديم الأب بعلة ثانية: بأنها إذا صارت مميزة صارت ممن تخطب وتزوج، واحتاجت إلى تجهيزها. فإذا كانت عند الأب كان أنظر لها وأحرص على تجهيزها وتزويجها مما إذا كانت عند الأم.
يوافق وأبو حنيفة على أن أحمد بخلاف ما قاله في الصبي، فإنه جعل الأب أحق به مطلقا. لكن قال: الأم والجدة أحق من الأب. فكلاهما قدم الأب وغيره من العصبة على النساء، لكن الأب أحق بها من الخالة والأخت والعمة وسائر النساء، طرد القياس، فقدمه على جميع النساء، أحمد فرق بين عمود النسب وغيره. والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال: وأبو حنيفة . فإذا قدم الأب على النساء اللائي يقدمن عليه في حال صغرها دل ذلك على أن الأب أقوم بمصلحة ابنته من النساء. وتبين أن أصل هذا القول ليس في مفردات "الخالة أم" بل هو طرد فيه قياسه. وبكل حال فهو قول قوي متوجه، ليس بأضعف من غيره من الأقوال المقولة في الحضانة، وليس قول من رجح الأم مطلقا بأقوى منه. أحمد،
ومما يقوي هذا القول أن الولد مطلقا إذا تعين أن يكون في مدينة أحد الأبوين دون الآخر، وكان الأب ساكنا في مصر والأم ساكنة في مصر آخر، فالأب أحق به مطلقا، سواء كان ذكرا أو أنثى عند عامة العلماء، كشريح القاضي وكمالك والشافعي وغيرهم، حتى قالوا: إن الأب إذا أراد سفر نقلة لغير الضرار إلى مكان بعيد فهو أحق به، لأن كونه مع الأب أصلح له، لحفظ نسبه وكمال تربيته [ ص: 423 ] وتعليمه وتأديبه، وأنه مع الأم تضيع مصلحته. ولا يخير الغلام هنا عند أحدهما لا يخرج إلى الأحق، فالأب أيضا أحق، لأن كونه عند الأب أصلح له. وهذا المعنى منتف في الابن، لأنه يخير، ولأن تردد الابن بينهما لا مضرة عليه فيه، بخلاف البنت. وأحمد
واتفقوا كلهم على أن الأم لو أرادت أن تسافر بالذكر أو الأنثى من المصر الذي فيه عقد النكاح فالأب أحق به، فلم يرجح أحد منهم الأم مطلقا. فدل ذلك على أن ترجيحها في حضانة الولد مطلقا -ذكرا كان أو أنثى- مخالف لهذا الأصل الذي اتفقوا عليه. وعلم أنهم متفقون على ترجيح جانب الأب عند تعذر الجمع بينهما، وهذا ثابت في الولد وإن كان طفلا يكون في بلد أبيه، بخلاف ما إذا كان الأبوان في مصر واحد، فهاهنا هو مع الصغر للأم، لأن في ذلك جمعا بين المصلحتين.
ومما يقويه أيضا أن الغلام إذا بلغ معتوها كانت حضانته للأم كالصغير، وإن كان عاقلا كان أمره إلى نفسه، ليسكن حيث شاء إذا كان مأمونا على نفسه، عند الأئمة الأربعة وغيرهم. فإن كان غير مأمون على نفسه فلم يجعل أحد الولاية عليه للأم، بل قالوا: للأب ضمه إليه وتأديبه، والأب يمنعه من السلفة.
وأما الجارية إذا بلغت فنقل عن مالك: الوالد أحق بضمها إليه حتى تزوج ويدخل بها الزوج، ثم هي أحق بنفسها، وتسكن حيث شاءت، إلا أن يخاف منها هوى أو ضيعة أو سوء موضع، فيمنعها الأب بضمها إليه.