والمقصود هنا كان مسائل الحضانة، وأن الذين اعتقدوا أن لما كان أصلهم ضعيفا كانت فروعهم اللازمة للأصل الضعيف ضعيفة، وفساد اللازم يستلزم فساد الملزوم. بل الصواب بلا ريب أنها قدمت لكونها أنثى، فتكون المرأة أحق بحضانة الصغير من الرجل، فتقدم الأم على الأب، والجدة على الجد، والأخت على الأخ، والخالة على الخال، والعمة على العم. وأما إذا اجتمع امرأة بعيدة ورجل قريب، فهذا لبسطه موضع آخر، إذ المقصود هنا ذكر مسألة الصغير المميز، والفرق بين الصبية والصبي. الأم قدمت لتقدم قرابة الأم
فتخيير الصبي الذي وردت به السنة أولى من تعيين أحد الأبوين له، ولهذا كان تعيين الأب كما قال مالك في رواية، والتخيير تخيير شهوة. ولهذا قالوا: إذا اختار الأب مدة ثم اختار الأم فله ذلك. حتى قالوا: متى اختار أحدهما ثم اختار الآخر نقل إليه، وكذلك إن اختار ابتداء. وهذا قول القائلين بالتخيير: وأحمد الحسن بن صالح والشافعي وقالوا: إذا اختار الأم كان عندها ليلا، [ ص: 417 ] وأما بالنهار فيكون عند الأب ليعلمه ويؤدبه. هذا مذهب وأحمد بن حنبل. الشافعي وكذلك قال وأحمد، وهو يقول: يكون عندها بلا تخيير، للأب تعاهده عندها وأدبه وبعثه إلى المكتب، ولا يبيت إلا عند الأم. مالك،
قال أصحاب الشافعي وإن اختار الأب كان عنده ليلا ونهارا، ولم يمنع من زيارة أمه، ولا تمنع الأم من تمريضه إذا اعتل. وأحمد:
فأما البنت إذا خيرت -فكانت عند الأم تارة وعند الأب تارة- أفضى ذلك إلى كثرة مرورها وتبرجها وانتقالها من مكان إلى مكان، ولا يبقى الأب موكلا بحفظها ولا الأم موكلة بحفظها، وقد عرف بالعادة أن ما تناوب الناس على حفظه ضاع. ومن الأمثال السائرة: لا تصلح القدر بين طباختين.
وأيضا فاختيار أحدهما يضعف رغبة الآخر في الإحسان والصيانة، فلا يبقى الأب تام الرغبة في حفظها، ولا الأم تامة الرغبة في حفظها. وليس الذكر كالأنثى، كما قالت امرأة عمران: رب إني نذرت لك ما في بطني محررا إلى قوله: فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا إلى قوله: وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم . فهذه مريم احتاجت إلى من يكفلها ويحضنها، حتى اقترعوا على كفالتها، فكيف بمن سواها من النساء؟
وهذا أمر يعرف بالتجربة: أن المرأة تحتاج من الحفظ والصيانة إلى ما لا يحتاج إليه الصبي، وكل ما كان أستر لها وأصون كان أصلح لها. [ ص: 418 ]
ولهذا كان ولعن النبي - صلى الله عليه وسلم - من يلبس منهن لباس الرجال ، وقال لباسها المشروع لباسا لما يسترها، في عصابتها: لأم سلمة رواه "لية لا ليتين"، وغيره . وقال في الحديث الصحيح : أبو داود "صنفان من أهل النار من أمتي لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، على رؤوسهن مثل أسنمة البخت، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها؛ ورجال معهم سياط مثل أذناب البقر يضربون بها عباد الله".