[ ص: 412 ]
وأيضا فمجموع أصول الشرع إنما يقدم أقارب الأب في الميراث والعقل والنفقة وولاية الموت والمال وغير ذلك، لم يقدم الشارع قرابة الأم في حكم من الأحكام، فمن قدمهن في الحضانة فقد خالف أصول الشريعة.
ولكن وهذا يقتضي تقديم الجدة أم الأب على الجد، كما قدمت الأم على الأب، وتقديم أخواته على إخوته، وعماته على أعمامه، وخالاته على أخواله. هذا هو القياس والاعتبار الصحيح. قدموا الأم لكونها امرأة، وجنس النساء مقدمات في الحضانة على الرجال.
وأما تقديم جنس نساء الأم على جنس نساء الأب فمخالف للأصول والمعقول، ولهذا كان من قال هذا في موضع يتناقض، ولا يطرد أصله.
ولهذا تجد لمن لم يضبط أصل الشرع ومقصوده في ذلك أقوالا متناقضة، حتى يوجد في الحضانة من الأقوال المتناقضة أكثر مما يوجد في غيرها من هذا الجنس. فمنهم من يقدم أم الأم على أم الأب، كأحد القولين في مذهب وهو قول أحمد، مالك والشافعي ثم من هؤلاء من يقدم الأخت من الأب على الأخت من الأم، ثم يقدم الخالة على العمة، كقول وأبي حنيفة. في الجديد وطائفة من أصحاب الشافعي وبنوا قولهم على أن الخالات مقدمات على العمات لكونهن من جهة الأم، ثم قالوا في العمات والخالات والأخوات: من كانت لأبوين أولى، ثم من كانت لأب، ثم من كانت لأم. أحمد.
وهذا الذي قالوه هنا موافق لأصول الشرع، لكن إذا ضم هذا إلى قولهم بتقديم قرائب الأم ظهر التناقض. وهم أيضا قالوا بتقديم أمهات الأب والجد على الخالات والأخوات للأم، وهذا موافق لأصول الشرع، لكنه يناقض هذا الأصل، ولهذا قالوا في القول [ ص: 413 ] الآخر: إن الخالة والأخت للأم أولى من أم الأب، كقول الشافعي القديم. وهذا أطرد لأصلهم، لكنه في غاية المناقضة لأصول الشرع.
وطائفة أخرى طردت أصلها، فقدمت من الأخوات من كانت لأم على من كانت لأب، كقول أبي حنيفة والمزني وبالغ بعض هؤلاء في طرد قياسه، حتى قدم الخالة على الأخت من الأب، كقول وابن سريج. ورواية عن زفر ووافقهم أبي حنيفة، ولكن ابن سريج. استشنع ذلك، فقدم الأخت للأب، ورواه عن أبو يوسف أبي حنيفة.
وروي عن أنه أمعن في طرد قياسه، حتى قال: إن الخالة أولى من الجدة أم الأب. وقد روي عن زفر أنه قال: لا تأخذوا بمقاييس أبي حنيفة فإنكم إذا أخذتم بمقاييس زفر، حرمتم الحلال وحللتم الحرام. وكان يقول في القياس: قياس زفر أقبح من البول في المسجد. زفر
كان معروفا بالإمعان في طرد قياسه، لكن الشأن في الأصل الذي قاس عليه وفي علة الحكم في الأصل، وهو جواب سؤال المطالبة، فمن أحكم هذا الأصل استقام قياسه. وزفر
وهذا كما أن اعتقد أن النكاح إلى أجل يبطل فيه التوقيت، ويصح النكاح لازما. وخرج بعضهم ذلك قولا في مذهب زفر أحمد.
فكان مضمون هذا القول أن يصح لازما غير موقت، وهو خلاف النصوص وخلاف إجماع السلف. والأمة إذا اختلفت في مسألة على قولين، لم يكن لمن بعدهم إحداث قول يناقض القولين، ويتضمن إجماع السلف على الخطأ والعدول عن الصواب. وليس في السلف من يقول في المتعة إلا أنه باطل، أو يصح مؤجلا، فالقول بلزومه مطلقا خلاف الإجماع. نكاح المتعة
وسبب هذا القول اعتقادهم أن كل شرط فاسد في النكاح فإنه يبطل، [ ص: 414 ] وينعقد النكاح لازما بدون حصول غرض المشترط. فألزموه ما لم يلتزمه ولا ألزمه به الشارع، ولهذا صحح من قال ذلك نكاح الشغار ونحوه مما شرط فيه نفي المهر، وصححوا نكاح التحليل لازما مع إبطال شرط التحليل، وأمثال ذلك.
وقد ثبت في الصحيحين عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: عقبة بن عامر فدل النص على أن الوفاء بالشروط في النكاح أولى منه بالوفاء بالشروط في البيع، فإذا كانت الشروط الفاسدة في البيع لا يلزم العقد بدونها، بل إما أن يبطل العقد، وإما أن يثبت الخيار لمن فات غرضه بالاشتراط إذا بطل الشرط، فكيف بالشروط في النكاح؟. "إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج".