الوجه الثاني: أن هذه الآية لم تسق لبيان تنزهه عن الأكل، فإن [ ص: 118 ] ذلك مبين فيما يناسب ذلك من السور التي فيها تنزيهه عن النقائص، ومن الآيات الدالة على أن هذه النقائص مستلزمة لكون صاحبها مخلوقا لا إلها ونحو ذلك. وإنما سيقت لبيان وبيان غناه عنهم وامتناع إحسانهم إليه، فإنه يطعمهم وهم لا يطعمونه، وهذا الوصف دال على هذا المقصود. كما إذا قيل: يعلمهم ولا يعلمونه، ويعطيهم ولا يعطونه. وهو من معاني الصمد، أن حاجة الخلق إليه وإحسانه إليهم، ثم كونه في نفسه لا يأكل ولا يشرب مدح له وتنزيه من جهة أخرى، فإن نفس كونه يطعم ولا يطعم وصف اختص به. فالحيوان إنسهم وجنهم وبهائمهم يأكلون، فإذا قدر أنهم أطعموا فهم يطعمون، والملائكة وإن كانوا لا يأكلون ولا يشربون فهم لا يطعمون الخلق، فليس من يطعم ولا يطعم إلا الله. وإذا قدر قادر يطعم غيره ويحسن إليه ويرزقه، وأولئك لا يطعمونه ولا يرزقونه ولا يحسنون إليه، كان هو المنعم عليهم، واستحق أن يشكروه، وإن كان هو يأكل ويشرب من ملكه، لكن ليس هو محتاجا إليهم، ولا هم يحسنون إليه. كل ما سواه محتاج إليه، وهو مستغن عن كل ما سواه،
فتبين أن هذا الوصف وصف مدح يختص به، ويبين ربوبيته وافتقار الخلق إليه وإحسانه إليهم، وإذا قيل: وهو يطعم ولا يطعم، كان دلالته على هذا المعنى بطريق اللزوم، فإنه إذا كان لا يطعم في نفسه امتنع أن يطعمه أحد.