وأما فوجدنا عنه روايتين منصوصتين، وقد نقلهما غير واحد من أصحابه، حضانة البنت إذا صارت مميزة كأبي عبد الله ابن تيمية وغيره:
إحداهما: أن الأب أحق بها، كما هو موجود في الكتب المعروفة في مذهبه.
والثانية: أن الأم أحق بها.
قال في رواية يقضى بالجارية للأم والخالة، حتى إذا احتاجت إلى التزويج فالأب أحق بها. إسحاق بن منصور:
وقال في رواية مهنا بن يحيى: الأم والجدة أحق بالجارية حتى يتزوج الأب.
قال أبو عبد الله في "ترغيب القاصد": وإن كانت جارية فالأب أحق بها بغير تخيير، وعنه: الأم أحق بها حتى تحيض. [ ص: 403 ]
وهذه الرواية الثانية هي نحو مذهب مالك في ذلك. ففي "المدونة" : مذهب وأبي حنيفة أن الأم أحق بالولد ما لم يبلغ، سواء كان ذكرا أو أنثى. فإذا بلغ وهو أنثى نظرت، فإن كانت الأم في حرز ومنعة وتحصين فهي أحق بها أبدا ما لم تنكح وإن بلغت أربعين سنة؛ وإن لم تكن في موضع حرز وتحصين أو كانت غير مرضية في نفسها، فللأب أخذها منها. مالك
وكذلك الأولياء والوصي كالأب في ذلك إذا أخذ إلى أمانة وتحصين.
ومذهب نحو ذلك، قال: الأم أحق بالجارية حتى تبلغ، فإن كانت الأم غير مرضية في نفسها وأدبها لولدها أخذت منها إذا بلغت، إلا أن تكون صغيرة لا يخاف عليها. الليث بن سعد
وأما فقال: الأم والجدة أحق بالجارية حتى تحيض، ومن سوى الأم والجدة أحق بها حتى تبلغ حدا تشتهي. هذا هو المشهور، ولفظ أبو حنيفة : "حتى تستغني" كما في الغلام مطلقا. الطحاوي
ولهذا قيل فيها كما قيل في الغلام: حتى تأكل وحدها وتلبس وحدها وتتوضأ وحدها، ثم تكون مع الأب.
أيضا يجعل الأب أحق بها بعد التمييز، كما يقول مثل ذلك في الابن، لكن يستثني الأم والجدة خاصة. وأبو حنيفة
وأما المشهور عن -وهو تخيير الغلام بين أبويه- فهو مذهب أحمد الشافعي وموافقته وإسحاق بن راهويه. للشافعي وإسحاق أكثر من موافقته لغيرهما، وأصوله بأصولهما أشبه منها بأصول غيرهما. وكان يثني عليهما ويعظمهما ويرجح أصول مذاهبهما على من ليست أصول [ ص: 404 ] مذاهبه كأصول مذاهبهما. وعندهم أصول فقهاء الحديث أصح من أصول غيرهم، والشافعي وإسحاق هما عنده من أجل فقهاء الحديث.
وجمع بينهما بمسجد الخيف فتناظرا في مسألة رباع مكة، والقصة مشهورة . وذكر أن أحمد علا الشافعي إسحاق بالحجة في موضع، وأن إسحاق علاه بالحجة في موضع؛ فإن كان يبيح البيع والإجارة، الشافعي وإسحاق يمنع منهما، وكانت الحجة مع في جواز بيعها، ومع الشافعي إسحاق في المنع من إجارتها.