وأيضا فقد على أحد القولين للعصر الأول، والإجماع الذي خالف فيه بعض أهله قبل انقراض عصرهم، فإنه مبني على انقراض العصر، بل [ ص: 325 ] هو شرط في الإجماع، وغير ذلك. فتنازعهم في بعض الأنواع هل هو من الإجماع الذي يجب اتباعهم فيه، كتنازعهم في بعض أنواع الخطاب هل هو مما يحتج به، كالعموم المخصوص ودليل الخطاب والقياس وغير ذلك. فهذا ونحوه مما يتبين به بعض أعذار العلماء. تنازع الناس في كثير من الأنواع هل هي إجماع يحتج به؟ كالإجماع الإقراري، وإجماع الخلفاء الأربعة، وإجماع العصر الثاني
قال وقوم قالوا: الإجماع هو إجماع الصحابة فقط، وقال قوم: إجماع كل عصر إجماع صحيح إذا لم يتقدم قبله في تلك المسألة خلاف. وهذا هو الصحيح لإجماع العلماء عند التفصيل عليه، واحتجاجهم به، وترك ما أصلوه له. أبو محمد ابن حزم:
إلى أن قال: وصفة الإجماع ما تيقن أنه لا خلاف فيه بين أحد من علماء الإسلام، ونعلم ذلك من حيث علمنا الأخبار التي لا يتخالج فيها شك، مثل أن المسلمين خرجوا من الحجاز إلى اليمن، ففتحوا العراق وخراسان ومصر والشام، وأن بني أمية ملكوا دهرا، ثم ملك بنو العباس، وأنه كانت وقعة صفين والحرة، وسائر ذلك مما يعلم بيقين وضرورة.
وقال: إنما ندخل في هذا الكتاب الإجماع التام الذي لا مخالف فيه البتة، الذي يعلم كما يعلم أن صلاة الصبح في الأمن والخوف ركعتان، وأن شهر رمضان هو الذي بين شوال وشعبان، وأن هذا الذي في المصاحف هو الذي أتى به محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وأخبر أنه وحي من الله إليه، وأن في خمس من الإبل شاة، ونحو ذلك. وهي ضرورة تقع في نفس الباحث عن الخبر المشرف على وجوه نقله، إذا تتبعها المرء في نفسه في كل ما جربه من أحوال دنياه وجده ثابتا مستقرا في نفسه. [ ص: 326 ]