وأما ونحو ذلك على ما ذكره فهو بدعة مكروهة من وجوه، أحدها: أن إنشاد الشعر الفراقي في المأتم من النياحة، وكذلك كل ما فيه تهييج المصيبة، وكذلك الذين يتسمون الوعاظ، وإنما هم نواحون. وإذا كان النساء قد نهين عن ذلك مع ضعف قلوبهن فكيف بالرجال؟ مع أن النساء يباح لهن من الغناء وضرب الدف ما لا يباح للرجال، ألا ترى أنه رخص فيما لا يمكن دفعه من دمع العين وحزن القلب، الاجتماع يوم الثالث والسابع وتمام الشهر والحول بخلاف الرجال، فإنهم لقوة قلوبهم لم ينهوا عن ذلك. [ ص: 136 ] والنساء نهين عن الأسباب المهيجة للنياحة من اتباع الجنائز وزيارة القبور سدا للذريعة،
فتبين أن الرجال أحق بالنهي عن النياحة، لأنهم أقل عذرا في ذلك من النساء، فهو بمنزلة من ينوح في المصيبة الصغيرة، فهو أحق ممن ناح في مصيبة كبيرة. وفي صحيح عن مسلم أبي مالك الأشعري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وقال : "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة". "النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب".
والبكاء المرخص فيه هو ما كان من دمع العين وحزن القلب، ومع ذلك فلا يصلح استدعاؤه حزنا، بخلاف البكاء للرحمة، وما كان من اللسان واليد فمنهي عنه، فكيف بالإعانة عليه؟! ففي الصحيحين عن قال: ابن عمر شكوى له، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده مع سعد بن عبادة عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص فلما دخل عليه وجده في غاشية -وفي لفظ وعبد الله بن مسعود، في غشية- فقال: "قد قضى؟ " قالوا: لا يا رسول الله، فبكى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما رأى القوم بكاءه بكوا، فقال: "ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا -وأشار إلى لسانه- أو يرحم". مسلم: اشتكى
وعن قال: ابن عباس - صلى الله عليه وسلم - فبكت النساء، فجعل زينب بنت رسول الله يضربهن بسوطه ، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده [ ص: 137 ] فقال: "مهلا يا عمر ثم قال: "إياكن ونعيق الشيطان"، ثم قال؟ "مهما كان من العين والقلب فمن الله ومن الرحمة، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان" عمر"، . لما ماتت
وعن قال: جابر بن عبد الله فانطلق به إلى ابنه عبد الرحمن بن عوف، إبراهيم، فوجده يجود بنفسه، فأخذه - صلى الله عليه وسلم - فوضعه في حجره، فبكى، فقال له عبد الرحمن: أتبكي؟ أو لم تكن نهيت عن البكاء؟ قال: "لا، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة". رواه أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بيد وقال: حديث حسن، وذكر غيره تمام الحديث: الترمذي "وصوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان".
وفي الصحيحين عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: عبد الله بن مسعود "ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية".