والاجتهاد في [ ص: 260 ] معرفة التماثل هو من باب الاجتهاد الذي اتفق عليه العلماء: مثبتو القياس ونفاته، وقد يكون في نوع من الأنواع، وقد يكون في عيني معينه، ويسمى تحقيق المناط. كاختلافهم في المظلوم بالضرب واللطم ونحو ذلك، مما لا يمكن فيه أن يفعل بخصمه مثل ما فعل به من كل وجه. فأيهما أقرب إلى العدل: أن يقتص منه، ويعتبر التماثل بحسب الإمكان، كما كان الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة يفعلون ذلك، وهو المنقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أن يعزر الظالم تعزيرا يرد إلى اجتهاد الوالي؟ على قولين. والأول هو المنصوص عن والتماثل المأمور به معتبر بحسب الإمكان، وهو قول جمهور السلف، والثاني قول طائفة من متأخري أصحابه، وهو المنقول عن أحمد، أبي حنيفة ومالك قالوا: لأنه لا يمكن فيه المماثلة، والقصاص لا يكون إلا مع المماثلة. والشافعي،
ونظر الأول أكمل، وهم أتبع للكتاب والميزان للنص [ ص: 261 ] والقياس، لأن المماثلة [من كل] وجه متعذرة، فلو لم يبق إلا أحد أمرين: قصاص قريب إلى المماثلة، أو تعزير بعيد عن المماثلة، فالأول أولى؛ لأن التعزير لا يعتبر فيه جنس الجناية ولا قدرها، بل قد يعزره بالسوط أو العصا، وتكون إما لطمة بيده، وقد يزيد وينقص، وكانت العقوبة بجنس ما فعله، وتحري المماثلة في ذلك بحسب الإمكان في ذلك أقرب إلى العدل الذي أمر الله به، وأنزل له الكتاب والميزان.