وأما أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى [القيامة :34 - 35] ، فهذا ليس من باب التكرار ، بل هو وعيد ودعاء ، يعني : قرب [ ص: 357 ] منك ما يهلك قربا بعد قرب ، كما تقول : غفر الله ثم غفر الله لك ، أي : غفر لك مغفرة بعد مغفرة ، فليس هذا بتكرار محض ، ولا من باب التأكيد اللفظي ، بل هو تعدد الطلب لتعدد المطلوب ، ونظيره : اضربه ثم اضربه . قوله سبحانه وتعالى :
وأما قوله سبحانه وتعالى : تبت يدا أبي لهب وتب [المسد :1] ، [فليس] من التكرار ؛ لاختلاف مقصود الفعلين ، فإن الأول منهما دعاء يراد به الإنشاء ، والثاني خبر ، أي : تبت يدا أبي لهب وقد تب .
قال : «كما تقول : أهلكه الله وقد هلك » . الفراء
وقال مقاتل : «خسرت يداه بترك الإيمان وخسر هو » .
وأما قوله سبحانه وتعالى : فبأي آلاء ربكما تكذبان [الرحمن :13] ، فتعديد ذلك في مقابلة تعديد الآلاء .
وكذلك قوله سبحانه وتعالى : ويل يومئذ للمكذبين [المرسلات :15] ، فهي مع كل آية كأنها مع سورة مفردة ، فلا تكرار ، والله تعالى أعلم .
وأما قوله تعالى : ولى مدبرا [النمل :10] ، وقوله تعالى : ثم وليتم [ ص: 358 ] مدبرين [التوبة :25] ، فكثير من النحاة يعتقدون أن هذه حال مؤكدة ، ويقسم الحال إلى ثلاثة أقسام : مؤكدة ، ومثنية ، ومقدرة ، ويجعل «ولى مدبرا » من الحال المؤكدة .
وهذا غلط ، فإن الحال المؤكدة مفهومها مفهوم عاملها ، وليس كذلك التولية والإدبار ، فإنهما بمعنيين مختلفين ، فالتولية أن يولي الشيء ظهره ، والإدبار أن يهرب منه ، فما كل مول مدبرا ، وكل مدبر مول ، ألا ترى أنك إذا قلت : ولى ظهره وأدبر ، لم يكن من باب قوله : «كذبا ومينا » .
ونظيره قوله سبحانه وتعالى : إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين [النمل :80] ، فلو كان أصم مقبلا لم يسمع ، فإذا ولى ظهره كان أبعد من السماع ، فإذا أدبر مع ذلك كان أشد لبعده عن السماع .
وقوله تعالى : ولم يعقب [النمل :10] ، إشارة إلى استقراره في الهرب وعدم رجوعه يقال : عقب فلان ، إذا رجع ، وكل راجع معقب ، وأهل التفسير يقولون : لم يقف ولم يلتفت ، وعلى كل حال فليس هنا [ ص: 359 ] تكرار أصلا ، بل لكل لفظ فائدة . والله سبحانه وتبارك وتعالى أعلم ، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وآله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا كثيرا .
(آخر الفائدة الجليلة رحم الله مصنفها وكاتبها ومالكها ، والحمد لله رب العالمين ، تم بحول الله وإحسانه) . [ ص: 360 ]