ومن اعتبر أحوال الناس وجد كثيرا منهم يندم على المبيع ، وكثيرا ما يكون لارتفاع السعر ، فيسعى في الفسخ إن لم يتمكن من المنع بيده ، وإلا فإذا تمكن من ذلك فهنا ، فيكون قد باع ما ليس عنده ، ويحصل الضرر للمشتري الثاني ، بأن يشتري ما يظن أنه يتمكن من قبضه ، فيحال بينه وبينه ، وهذا من بيع الغرر . وهذا بخلاف ما لو كان بيده ودفعه له ، فإنه لا يطمع أن يكون الربح له . وكذلك الموروث لا حق فيه لغير الوارث . إذا باع قبل القبض فإنه كثيرا ما يفضي إلى ندم البائع
وعلى هذا فالأقوى أنه يجوز فيه التولية والشركة ، كما قال مالك [ ص: 303 ] وغيره ؛ لأن المحذور إنما يقع إذا كان هناك ربح ، ولا ربح في التولية والشركة . وكذلك يجوز بيعه من بائعه ؛ لأنه لا محذور فيه ، وقد قال : لا أحسب كل شيء إلا بمنزلة الطعام ، وروى أنه نهي عن بيع ما لم يقبض . ولا ريب أن الضرر يقع في الطعام أكثر ، ويقع أيضا في غيره ، فلا ينبغي أن يباع شيء حتى يقبض ، وإن كان مضمونا على المشتري كالصبرة من الطعام ، وقد يكون مضمونا على البائع ويجوز بيعه ، كالتمر إذا بدا صلاحه ولم يتم ، فكونه مضمونا على هذا أو على هذا غير ملازم لجواز بيعه والتصرف فيه . ابن عباس
وهذه طريقة وغيره ، وهي أصح الطرق ، الخرقي أنه من ضمان المشتري ابن عمر ، وأنهم كانوا ينهون عن بيعها حتى ينقلوها ، فالصبرة من الطعام قد ثبت عن ، لأن المشتري لم يتمكن من جداده . ومع هذا فالصحيح أنه يجوز بيعه ؛ لأن قبضه غير ممكن إلا بالتخلية ، وقد خلي بينه وبينه ، كالعقار إذا خلي بينه وبينه ، وكمال الصلاح إلى الله لا إلى الناس . ولأنه في هذه الحالة كالمنفعة في الإجارة قبضت من وجه دون وجه ، قبضت العين وما استوفيت المنفعة . كذلك هنا خلي بينه وبينه بحيث لو أراد المشتري أن يأخذه حصرما وبلحا كان له ذلك . [ ص: 304 ] والثمر على الشجر قد ثبت أنه من ضمان البائع حتى يكمل صلاحه
وليست الهبة وغيرها كالبيع ، فإنه لا ربح هناك ، فيجوز فيه . وما ملك بغير البيع فلا يقصد به الربح ، فيجوز التصرف فيه قبل قبضه ؛ إذ ليس ذلك بمنصوص ولا في معنى المنصوص ، فلا يجوز منع الإنسان من التصرف في ملكه بغير حجة شرعية . فهذا هذا ، والله أعلم .