مطلب :
nindex.php?page=treesubj&link=19632_19631_19626الرضا يثاب عليه ويزيد في الرزق .
( وارض ) أنت ( بقسمه ) لك فإنه حكيم عليم ، والحكيم يضع الأشياء في مواضعها .
فمن عباده من لم يصلحه إلا الفقر ولو أغناه لفسد عليه دينه ، ومنهم من لا يصلحه إلا الغنى ، ولو أفقره لفسد عليه دينه ، وكذلك الصحة والسقم ونفوذ الكلمة وعدمه وغير ذلك ، فمهما قسمه لك من ذلك فكن به راضيا مطمئنا لا ساخطا ولا متلونا ، فإنه جل شأنه أشفق من الوالدة على ولدها .
ومن تمام حكمته وبديع قدرته أن جعل عباده ما بين غني وفقير ، وجليل وحقير ، وصغير وكبير ، ومستأجر وأجير ، ذلك تقدير العليم الخبير ، فإن سخطت شيئا من أقداره أهلكت نفسك وقطعتها حسرات على الدنيا ، ولم تنل منها إلا ما قسمه لك جل شأنه ، وإن ترض بقسمته لك من جميع الأشياء ( تثب ) ثواب الراضين على ذلك ، ويحصل لك الرضا الموعود به في قوله في الحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24880فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فعليه السخط } وتثبت لك حقيقة العبودية وتسلم من الإباق المتوعد به في قوله كما في بعض الأخبار القدسية {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37337من لم يرض بقضائي ويصبر على بلائي فليعبد ربا سواي } .
قال في الفروع : وكان
المروذي مع الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في العسكر في قصر فأشار إلى شيء على الجدار قد نصب ، فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : لا تنظر إليه ، قال قلت : فقد نظرت إليه ، قال : فلا تفعل .
قال وسمعته يقول : تفكرت في هذه الآية {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=131ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى } ثم تفكرت في وفيهم وأشار نحو العسكر قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=131ورزق ربك خير وأبقى } ، قال : رزق يوم بيوم خير .
قال : ولا تهتم لرزق غد . انتهى .
[ ص: 279 ] فإن فعلت كذلك ( و ) رضت نفسك على هذه الأخلاق ( تزد رزقا ) من الله سبحانه وتعالى فإنه يرزق عباده سيما الذين انسلخوا عن الحول والقوة ، وطرحوا على أبواب الرجاء والمنة ، فهم عليه متوكلون ، وإليه متضرعون ، وعلى أبوابه واقفون ، ولمنحه منتظرون ، فإن كنت منهم تزد رزقا ( و ) تزد ( إرغام ) أي ذل وبتك وإهانة ( حسد ) جمع حاسد .
وأصل الرغام التراب ، كأنك لشرف نفسك ورضاك بقسمة مولاك جعلت أنوف أعدائك ملصقة بالتراب ، والحاسد عدو نعم الله تعالى لأنه يطلب زوالها ممن نالها ، وهو من إساءة الأدب على غاية ، ولذا قيل شعر :
ألا قل لمن كان لي حاسدا أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في حكمه لأنك لم ترض ما قد وهب
فجازاك ربي بأن زادني وسد عليك وجوه الطلب
( تنبيه ) : قد تضمن بيت الناظم ثلاثة أشياء : الشكر ، والرضا ، وإرغام أهل الحسد ، وفي ضمن ذلك ذم الحسود .
فأما الرضا فهو من أعمال القلوب ، وهو إن كان كذلك فكماله هو الحمد ، حتى إن بعضهم فسر الحمد بالرضا ، ولهذا جاء في الكتاب والسنة حمد الله على كل حال ، وذلك يتضمن الرضا بقضائه .
والرضا بالمصائب أشق على النفوس من الصبر ، وإن كان الصبر من أشق الأشياء على النفوس .
وفي جامع
الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9327إذا أحب الله قوما ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط } .
مطلب :
nindex.php?page=treesubj&link=19626_19627الرضا بالقضاء هل هو واجب أو مستحب ؟
وقد تنازع علماؤنا وغيرهم الرضا بالقضاء ، هل هو واجب أو مستحب على قولين :
فعلى الأول يكون من أعمال المقتصدين .
وعلى الثاني يكون من أعمال المقربين .
ذكره شيخ الإسلام رضي الله عنه .
فالعبد قد يصبر على المصيبة ، ولا يرضى .
فالرضا أعلى مقام الصبر ، لكن الصبر اتفقوا على وجوبه ، والرضا اختلفوا في وجوبه ، والشكر أعلى من
[ ص: 280 ] مقام الرضا ، فإنه يشهد المصيبة نعمة ، والمحنة منحة فيشكر المبلي عليها .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : أما الرضا فمنزلة عزيزة أو منيعة ، ولكن قد جعل الله في الصبر معولا حسنا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16500عبد الواحد بن زيد : الرضا باب الله الأعظم ، وجنة الدنيا ، وسراج العابدين .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا عن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {
الصبر رضا } فهذا الحديث فيه بشارة عظيمة لأهل المصائب ; إذ سمى الصبر رضا ، ولعله مراد الناظم .
فإن قيل : غالب الناس يصبرون ولا يرضون ، فكيف يتصور الرضا بالمكروه ؟ فالجواب أن نفور الطبع عن المكروه لا ينافي رضا القلب بالمقدور ، فإنا نرضى عن الله ونرضى بقضائه وإن كرهنا المقضي .
وفي صيد الخاطر للإمام الحافظ
ابن الجوزي طيب الله ثراه : الرضا من جملة ثمرات المعرفة ، فإذا عرفته رضيت بقضائه ، وقد يجري في ضمن القضاء مرارات يجد بعض طعمها الراضي ، وأما العارف فتقل عنده المرارة لقوة حلاوة المعرفة ، فإذا ترقى بالمعرفة إلى المحبة صارت مرارة الأقدار حلاوة كما قال القائل :
عذابه فيك عذب وبعده فيك قرب
وأنت عندي كروحي بل أنت منها أحب
حسبي من الحب أني لما تحب أحب
وقال بعض المحبين في هذا المعنى :
ويقبح من سواك الفعل عندي فتفعله فيحسن منك ذاكا
فإن قيل : بماذا أرضى قدر ربي ، أرضى في أقداره بالمرض والفقر ، أفأرضى بالكسل عن خدمته والبعد عن أهل الجنة ، فبين لي ما الذي يدخل تحت الرضا مما لا يدخل ؟ فقلت له : نعم ما سألت فاسمع الفرق سماع من ألقى السمع وهو شهيد .
ارض بما منه .
فأما الكسل والتخلف فذاك منسوب إليك فلا ترض به من فعلك ، وكن مستوفيا حقه عليك مناقشا نفسك فيما يقربك منه غير
[ ص: 281 ] راض عنها بالتواني في المجاهدة .
فأما ما يقدره من الأفضلية المجردة التي لا كسب لك فيها فكن راضيا بها . انتهى .
ملخصا والله أعلم .
مَطْلَبٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=19632_19631_19626الرِّضَا يُثَابُ عَلَيْهِ وَيَزِيدُ فِي الرِّزْقِ .
( وَارْضَ ) أَنْتَ ( بِقَسْمِهِ ) لَك فَإِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ، وَالْحَكِيمُ يَضَعُ الْأَشْيَاءَ فِي مَوَاضِعِهَا .
فَمِنْ عِبَادِهِ مَنْ لَمْ يُصْلِحْهُ إلَّا الْفَقْرُ وَلَوْ أَغْنَاهُ لَفَسَدَ عَلَيْهِ دِينُهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا الْغِنَى ، وَلَوْ أَفْقَرَهُ لَفَسَدَ عَلَيْهِ دِينُهُ ، وَكَذَلِكَ الصِّحَّةُ وَالسَّقَمُ وَنُفُوذُ الْكَلِمَةِ وَعَدَمُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ ، فَمَهْمَا قَسَمَهُ لَك مِنْ ذَلِكَ فَكُنْ بِهِ رَاضِيًا مُطْمَئِنًّا لَا سَاخِطًا وَلَا مُتَلَوِّنًا ، فَإِنَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ أَشْفَقُ مِنْ الْوَالِدَةِ عَلَى وَلَدِهَا .
وَمِنْ تَمَامِ حِكْمَتِهِ وَبَدِيعِ قُدْرَتِهِ أَنْ جَعَلَ عِبَادَهُ مَا بَيْنَ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ ، وَجَلِيلٍ وَحَقِيرٍ ، وَصَغِيرٍ وَكَبِيرٍ ، وَمُسْتَأْجِرٍ وَأَجِيرٍ ، ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ ، فَإِنْ سَخِطْت شَيْئًا مِنْ أَقْدَارِهِ أَهْلَكْت نَفْسَك وَقَطَّعْتهَا حَسَرَاتٍ عَلَى الدُّنْيَا ، وَلَمْ تَنَلْ مِنْهَا إلَّا مَا قَسَمَهُ لَك جَلَّ شَأْنُهُ ، وَإِنْ تَرْضَ بِقِسْمَتِهِ لَك مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ( تُثَبْ ) ثَوَابَ الرَّاضِينَ عَلَى ذَلِكَ ، وَيَحْصُلُ لَك الرِّضَا الْمَوْعُودُ بِهِ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24880فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَعَلَيْهِ السُّخْطُ } وَتَثْبُتُ لَك حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ وَتَسْلَمُ مِنْ الْإِبَاقِ الْمُتَوَعَّدِ بِهِ فِي قَوْلِهِ كَمَا فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ الْقُدْسِيَّةِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37337مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي وَيَصْبِرْ عَلَى بَلَائِي فَلْيَعْبُدْ رَبًّا سِوَايَ } .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَكَانَ
الْمَرُّوذِيُّ مَعَ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ فِي الْعَسْكَرِ فِي قَصْرٍ فَأَشَارَ إلَى شَيْءٍ عَلَى الْجِدَارِ قَدْ نُصِبَ ، فَقَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ : لَا تَنْظُرْ إلَيْهِ ، قَالَ قُلْت : فَقَدْ نَظَرْت إلَيْهِ ، قَالَ : فَلَا تَفْعَلْ .
قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : تَفَكَّرْت فِي هَذِهِ الْآيَةِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=131وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى } ثُمَّ تَفَكَّرْت فِي وَفِيِّهِمْ وَأَشَارَ نَحْوَ الْعَسْكَرِ قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=131وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى } ، قَالَ : رِزْقُ يَوْمٍ بِيَوْمٍ خَيْرٌ .
قَالَ : وَلَا تَهْتَمَّ لِرِزْقِ غَدٍ . انْتَهَى .
[ ص: 279 ] فَإِنْ فَعَلْت كَذَلِكَ ( وَ ) رَضَتْ نَفْسُك عَلَى هَذِهِ الْأَخْلَاقِ ( تُزَدْ رِزْقًا ) مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِنَّهُ يَرْزُقُ عِبَادَهُ سِيَّمَا الَّذِينَ انْسَلَخُوا عَنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ ، وَطَرَحُوا عَلَى أَبْوَابِ الرَّجَاءِ وَالْمِنَّةِ ، فَهُمْ عَلَيْهِ مُتَوَكِّلُونَ ، وَإِلَيْهِ مُتَضَرِّعُونَ ، وَعَلَى أَبْوَابِهِ وَاقِفُونَ ، وَلِمِنَحِهِ مُنْتَظِرُونَ ، فَإِنْ كُنْت مِنْهُمْ تُزَدْ رِزْقًا ( وَ ) تُزَدْ ( إرْغَامَ ) أَيْ ذُلَّ وَبَتْكَ وَإِهَانَةَ ( حُسَّدِ ) جَمْعُ حَاسِدٍ .
وَأَصْلُ الرِّغَامِ التُّرَابِ ، كَأَنَّك لِشَرَفِ نَفْسِك وَرِضَاك بِقِسْمَةِ مَوْلَاك جَعَلْت أُنُوفَ أَعْدَائِك مُلْصَقَةً بِالتُّرَابِ ، وَالْحَاسِدُ عَدُوُّ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَطْلُبُ زَوَالَهَا مِمَّنْ نَالَهَا ، وَهُوَ مِنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ عَلَى غَايَةٍ ، وَلِذَا قِيلَ شِعْرٌ :
أَلَا قُلْ لِمَنْ كَانَ لِي حَاسِدًا أَتَدْرِي عَلَى مَنْ أَسَأْت الْأَدَبْ
أَسَأْت عَلَى اللَّهِ فِي حُكْمِهِ لِأَنَّك لَمْ تَرْضَ مَا قَدْ وَهَبْ
فَجَازَاك رَبِّي بِأَنْ زَادَنِي وَسَدَّ عَلَيْك وُجُوهَ الطَّلَبْ
( تَنْبِيهٌ ) : قَدْ تَضَمَّنَ بَيْتُ النَّاظِمِ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ : الشُّكْرُ ، وَالرِّضَا ، وَإِرْغَامُ أَهْلِ الْحَسَدِ ، وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ ذَمُّ الْحَسُودِ .
فَأَمَّا الرِّضَا فَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ ، وَهُوَ إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَكَمَالُهُ هُوَ الْحَمْدُ ، حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ فَسَّرَ الْحَمْدَ بِالرِّضَا ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حَمْدُ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ الرِّضَا بِقَضَائِهِ .
وَالرِّضَا بِالْمَصَائِبِ أَشَقُّ عَلَى النُّفُوسِ مِنْ الصَّبْرِ ، وَإِنْ كَانَ الصَّبْرُ مِنْ أَشَقِّ الْأَشْيَاءِ عَلَى النُّفُوسِ .
وَفِي جَامِعِ
التِّرْمِذِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9327إذَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ } .
مَطْلَبٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=19626_19627الرِّضَا بِالْقَضَاءِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ ؟
وَقَدْ تَنَازَعَ عُلَمَاؤُنَا وَغَيْرُهُمْ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ ، هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ عَلَى قَوْلَيْنِ :
فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ مِنْ أَعْمَالِ الْمُقْتَصِدِينَ .
وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ مِنْ أَعْمَالِ الْمُقَرَّبِينَ .
ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
فَالْعَبْدُ قَدْ يَصْبِرُ عَلَى الْمُصِيبَةِ ، وَلَا يَرْضَى .
فَالرِّضَا أَعْلَى مَقَامِ الصَّبْرِ ، لَكِنَّ الصَّبْرَ اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِهِ ، وَالرِّضَا اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهِ ، وَالشُّكْرُ أَعْلَى مِنْ
[ ص: 280 ] مَقَامِ الرِّضَا ، فَإِنَّهُ يَشْهَدُ الْمُصِيبَةَ نِعْمَةً ، وَالْمِحْنَةَ مِنْحَةً فَيَشْكُرُ الْمُبْلِيَ عَلَيْهَا .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16673عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَمَّا الرِّضَا فَمَنْزِلَةٌ عَزِيزَةٌ أَوْ مَنِيعَةٌ ، وَلَكِنْ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ فِي الصَّبْرِ مِعْوَلًا حَسَنًا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16500عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ : الرِّضَا بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ ، وَجَنَّةُ الدُّنْيَا ، وَسِرَاجُ الْعَابِدِينَ .
وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12455ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ {
الصَّبْرُ رِضًا } فَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَهْلِ الْمَصَائِبِ ; إذْ سَمَّى الصَّبْرَ رِضًا ، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ النَّاظِمِ .
فَإِنْ قِيلَ : غَالِبُ النَّاسِ يَصْبِرُونَ وَلَا يَرْضُونَ ، فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الرِّضَا بِالْمَكْرُوهِ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ نُفُورَ الطَّبْعِ عَنْ الْمَكْرُوهِ لَا يُنَافِي رِضَا الْقَلْبِ بِالْمَقْدُورِ ، فَإِنَّا نَرْضَى عَنْ اللَّهِ وَنَرْضَى بِقَضَائِهِ وَإِنْ كَرِهْنَا الْمَقْضِيَّ .
وَفِي صَيْدِ الْخَاطِرِ لِلْإِمَامِ الْحَافِظِ
ابْنِ الْجَوْزِيِّ طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ : الرِّضَا مِنْ جُمْلَةِ ثَمَرَاتِ الْمَعْرِفَةِ ، فَإِذَا عَرَفْته رَضِيت بِقَضَائِهِ ، وَقَدْ يَجْرِي فِي ضِمْنِ الْقَضَاءِ مَرَارَاتٌ يَجِدُ بَعْضَ طَعْمِهَا الرَّاضِي ، وَأَمَّا الْعَارِفُ فَتَقِلُّ عِنْدَهُ الْمَرَارَةُ لِقُوَّةِ حَلَاوَةِ الْمَعْرِفَةِ ، فَإِذَا تَرَقَّى بِالْمَعْرِفَةِ إلَى الْمَحَبَّةِ صَارَتْ مَرَارَةُ الْأَقْدَارِ حَلَاوَةً كَمَا قَالَ الْقَائِلُ :
عَذَابُهُ فِيك عَذْبٌ وَبَعْدُهُ فِيك قُرْبٌ
وَأَنْتَ عِنْدِي كَرُوحِي بَلْ أَنْتَ مِنْهَا أَحَبُّ
حَسْبِي مِنْ الْحُبِّ أَنِّي لِمَا تُحِبُّ أُحِبُّ
وَقَالَ بَعْضُ الْمُحِبِّينَ فِي هَذَا الْمَعْنَى :
وَيَقْبُحُ مِنْ سِوَاك الْفِعْلُ عِنْدِي فَتَفْعَلُهُ فَيَحْسُنُ مِنْك ذَاكَا
فَإِنْ قِيلَ : بِمَاذَا أُرْضَى قَدْرَ رَبِّي ، أَرْضَى فِي أَقْدَارِهِ بِالْمَرَضِ وَالْفَقْرِ ، أَفَأَرْضَى بِالْكَسَلِ عَنْ خِدْمَتِهِ وَالْبُعْدِ عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فَبَيِّنِ لِي مَا الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَ الرِّضَا مِمَّا لَا يَدْخُلُ ؟ فَقُلْت لَهُ : نَعَمْ مَا سَأَلْت فَاسْمَعْ الْفَرْقَ سَمَاعَ مَنْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ .
ارْضَ بِمَا مِنْهُ .
فَأَمَّا الْكَسَلُ وَالتَّخَلُّفُ فَذَاكَ مَنْسُوبٌ إلَيْك فَلَا تَرْضَ بِهِ مِنْ فِعْلِك ، وَكُنْ مُسْتَوْفِيًا حَقَّهُ عَلَيْك مُنَاقِشًا نَفْسَك فِيمَا يُقَرِّبُك مِنْهُ غَيْرَ
[ ص: 281 ] رَاضٍ عَنْهَا بِالتَّوَانِي فِي الْمُجَاهَدَةِ .
فَأَمَّا مَا يُقَدِّرُهُ مِنْ الْأَفْضَلِيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي لَا كَسْبَ لَك فِيهَا فَكُنْ رَاضِيًا بِهَا . انْتَهَى .
مُلَخَّصًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .