وأما قوله: فهو حديث صحيح متفق عليه ، لكن فيه أن "إذا مرض العبد أو سافر فإنه يكتب له من العمل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم" ليس فيه أن كل مسافر أو مريض يكتب له كعمل الصحيح. ولهذا إذا مرض أو سافر ولم يكن عادته أن يقوم الليل لم يكتب له قيام، وإذا لم يكن عادته أن يصلي في الجماعة لم يكتب له صلاة الجماعة. فإن كان عادته [أن] يصلي قائما وصلى قاعدا لأجل المرض كتب له مثل أجر صلاة القائم، كما أنه لو عجز عن [ ص: 334 ] الصلاة بالكلية كتب له مثل ما كان يصلي وإن لم يوجد منه صلاة. العبد إذا كان عادته أن يعمل عملا وتركه لأجل السفر أو المرض كتب له عمله لأجل نيته وعادته،
وكما يكتب لمن خرج ليصلي في جماعة وإذا أدركهم سلموا مثل أجر من شهد الجماعة وإن كان لم يصل في جماعة. وهكذا لا في الجمعة ولا في الجماعة، في أصح أقوال العلماء الذي دل عليه النص وأقوال الصحابة، وهو مذهب من لم يدرك ركعة من الجماعة فإنه لا يكون مدركا لها إلا بركعة، وإحدى الروايتين عن مالك والرواية الأخرى عنه الفرق بين الجمعة وغيرها، كظاهر مذهب أحمد، وفي مذهبه قول ثالث: إنه يكون مدركا للجمعة بتكبيرة، كقول الشافعي، أبي حنيفة.
والذي دل عليه النص وآثار الصحابة والقياس هو القول الأول. ومع هذا فيكتب له أجر من شهد إذا جاء بعد الفوات لأجل نيته، فإن القاصد للخير الذي لو قدر عليه لفعله وإنما يتركه عجزا يكتب له مثل أجر فاعله، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: بالمدينة رجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم"، قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: "وهم بالمدينة، حبسهم العذر" . "إن
وفي حديث كبشة الأنماري الذي صححه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الترمذي "إنما الدنيا لأربعة: رجل آتاه الله مالا وعلما، فهو يتقي في ذلك المال ربه ويصل فيه رحمه، فهذا بأشرف المنازل، ورجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا، فيقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالا ولم يؤته علما، [ ص: 335 ] فهو لا يتقي في ذلك المال ربه ولا يصل فيه رحمه، فهذا بأخبث المنازل، ورجل لم يؤته الله مالا ولا علما، فيقول: لو أن لي مالا لعملت مثل عمل فلان. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فوزرهما سواء".