فصل
المقصود هنا أنا قد نبهنا عليه غير مرة أن
nindex.php?page=treesubj&link=28632الإسلام له ضدان: الإشراك والاستكبار، لأنه الاستسلام لله وحده كما يترجم فيه شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمدا عبده ورسوله، فمن استسلم لله ولغير الله فقد أشرك بالله وجعل له عدلا وندا وشريكا، ومن لم يستسلم بحال فقد استكبر كحال
فرعون وغيره. ولهذا قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=17ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=19إني آتيكم بسلطان مبين . وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين .
nindex.php?page=treesubj&link=18682_28675وكل من الشرك والكبر كفر يضاد الإيمان والإسلام، كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=664292 "لا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ولا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر"، فقال رجل: يا رسول الله! إني أحب أن يكون قولي حسنا وفعلي حسنا، أذلك من الكبر؟ فقال: "لا، إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس ". ولهذا قرن هذا في
nindex.php?page=treesubj&link=33151_33099شعار الإسلام الذي هو [ ص: 224 ] الأذان بين التكبير والتهليل، فإن التكبير- وهو قول "الله أكبر"- يمنع كبر غير الله، وقول لا إله إلا الله يوجب التوحيد، وهاتان الكلمتان قرينتان، كما قد بينا ذلك في غير هذا الموضع، وبينا اقتران التهليل والتكبير كاقتران التسبيح والتحميد.
وقد يقال: الشرك أعم، ولهذا كان هو المقابل للتوحيد، فإن المشرك قد يكون متكبرا وقد لا يكون، وأما المستكبر فلا بد أن يكون فيه شرك، فذم المشرك يدخل فيه ذم المستكبر من أهل الكتاب، وذم المستكبر لا يدخل فيه ذم المشرك الذي ليس مستكبرا، ولهذا يكتفى بكلمة التوحيد التي هي لا إله إلا الله عن كلمة التكبير، من غير عكس، كما قال تعالى عن النصارى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ، وقال في وصفهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=27وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ، وقال فيهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=31اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ، فوصفهم بالشرك وترك الكبر، وهذا ظاهر من حال كثير منهم أن فيهم شركا وتواضعا، لكن الشرك من أعظم الفساد لصاحبه، إن لم يرد علوا في الأرض فقد أراد فسادا.
لكن هذا في مشركي أهل الكتاب، إذ الشرك مبتدع في دينهم لا
[ ص: 225 ] أصل له، فأما المشركون من غيرهم فقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=35إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=36ويقولون أإنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون .
وأما اليهود فقد وصفهم بالاستكبار والعلو في الأرض في مثل قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ، كما وصف فرعون بذلك في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إنه كان من المفسدين ، فوصفه بالعلو والفساد كما وصفهم. وقال في آخر السورة:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=83تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا الآية ، وقال تعالى في خطابه لبني إسرائيل:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=83وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله إلى قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=87أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون ، فهم استكبروا عما جاءت به الرسل، فقتلوا فريقا من الرسل وكذبوا فريقا. والنصارى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم.
وقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا [ ص: 226 ] عنها غافلين ،
nindex.php?page=treesubj&link=18682_18673فوصف الله المستكبرين بالتكذيب بآياته والغفلة عنها، لأن
nindex.php?page=hadith&LINKID=657139الكبر- كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بطر الحق وغمط الناس ، وبطر الحق جحده ودفعه، وهذا هو التكذيب، وأعظم من ذلك التكذيب بآيات الله، قال تعالى عن قوم
فرعون: nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ، وقال عن المشركين:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=47ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله الآية ، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=33فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون
وإنما يقال: إن المستكبر لا بد أن يكون مشركا، لأن الإنسان حارث همام، فلا بد له من حرث هو عمله وحركته، ولا بد لذلك من هم هو قصده ونيته وحبه، فإذا استكبر عن أن يكون الله هو مقصوده الذي ينتهي إليه قصده وإرادته، فيسلم وجهه لله، فلا بد أن يكون له مقصود آخر ينتهي إليه قصده، وذاك هو إلهه الذي أشرك. ولهذا كان قوم
فرعون الذين وصفهم بالاستكبار والعلو في الأرض وهم الذين استعبدوا بني إسرائيل، كانوا مع ذلك مشركين
بفرعون اتخذوه إلها وربا، كما قال لهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38ما علمت لكم من إله غيري ، وقال لهم:
[ ص: 227 ] nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أنا ربكم الأعلى ، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=54فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين .
وفرعون نفسه الذي كان هو المستكبر الأعظم على قومه وغيرهم، كان مع هذا مشركا، كما ذكر ذلك تعالى عنه في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك ، قيل: كان له آلهة يعبدها سرا. وقد وصفهم جميعا بالإشراك في قول الرجل المؤمن:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار . وقال قبل هذا:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=34ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات الآية ، وقد ذكر الله قول يوسف:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=39السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=40ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم الآية . وهذا إخبار عن جميعهم بالشرك واتخاذ آلهة يدعونها من دون الله. وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=36ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت الآية ، وهذا يبين
[ ص: 228 ] أن
nindex.php?page=treesubj&link=28749جميع الرسل بعثوا بالتوحيد والدعوة إلى عبادة الله وحده، كما قال تعالى في سورة
هود بعد أن ذكر الأنبياء وأممهم ثم قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=100ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد الآيات ، يخبر تعالى فيها عن جميعهم بالشرك واتخاذ آلهة.
ولو لم يكن المستكبر يعبد غير الله فإنه يعبد نفسه ولا بد، فيكون مختالا فخورا متكبرا، فيكون قد أشرك بنفسه إن لم يشرك بغيره. وإبليس هو أول المستكبرين، قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=34إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين .
فَصْلٌ
الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّا قَدْ نَبَّهَنَا عَلَيْهِ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28632الْإِسْلَامَ لَهُ ضِدَّانِ: الْإِشْرَاكُ وَالِاسْتِكْبَارُ، لِأَنَّهُ الِاسْتِسْلَامُ لِلَّهِ وَحْدَهُ كَمَا يُتَرْجَمُ فِيهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَشَهَادَةُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَمَنِ اسْتَسْلَمَ لِلَّهِ وَلِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ وَجَعَلَ لَهُ عَدْلًا وَنِدًّا وَشَرِيكًا، وَمَنْ لَمْ يَسْتَسْلِمْ بِحَالٍ فَقَدِ اسْتَكْبَرَ كَحَالِ
فِرْعَوْنَ وَغَيْرِهِ. وَلِهَذَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=17وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=19إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ . وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ .
nindex.php?page=treesubj&link=18682_28675وَكُلٌّ مِنَ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ كُفْرٌ يُضَادُّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=664292 "لَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ"، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ قَوْلِي حَسَنًا وَفِعْلِي حَسَنًا، أَذَلِكَ مِنَ الْكِبْرِ؟ فَقَالَ: "لَا، إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ". وَلِهَذَا قُرِنَ هَذَا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=33151_33099شِعَارِ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ [ ص: 224 ] الْأَذَانُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ، فَإِنَّ التَّكْبِيرَ- وَهُوَ قَوْلُ "اللَّهُ أَكْبَرُ"- يَمْنَعُ كِبَرَ غَيْرِ اللَّهِ، وَقَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يُوجِبُ التَّوْحِيدَ، وَهَاتَانِ الْكَلِمَتَانِ قَرِينَتَانِ، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبَيَّنَّا اقْتِرَانَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ كَاقْتِرَانِ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ.
وَقَدْ يُقَالُ: الشِّرْكُ أَعَمُّ، وَلِهَذَا كَانَ هُوَ الْمُقَابِلَ لِلتَّوْحِيدِ، فَإِنَّ الْمُشْرِكَ قَدْ يَكُونُ مُتَكَبِّرًا وَقَدْ لَا يَكُونُ، وَأَمَّا الْمُسْتَكْبِرُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شِرْكٌ، فَذَمُّ الْمُشْرِكِ يَدْخُلُ فِيهِ ذَمُّ الْمُسْتَكْبِرِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَذَمُّ الْمُسْتَكْبِرِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ ذَمُّ الْمُشْرِكِ الَّذِي لَيْسَ مُسْتَكْبِرًا، وَلِهَذَا يُكْتَفَى بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ الَّتِي هِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَنْ كَلِمَةِ التَّكْبِيرِ، مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنِ النَّصَارَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ، وَقَالَ فِي وَصْفِهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=27وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ، وَقَالَ فِيهِمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=31اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، فَوَصَفَهُمْ بِالشِّرْكِ وَتَرَكِ الْكِبْرِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ حَالِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ أَنَّ فِيهِمْ شِرْكًا وَتَوَاضُعًا، لَكِنَّ الشِّرْكَ مِنْ أَعْظَمِ الْفَسَادِ لِصَاحِبِهِ، إِنْ لَمْ يُرِدْ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ فَقَدْ أَرَادَ فَسَادًا.
لَكِنَّ هَذَا فِي مُشْرِكِي أَهْلِ الْكِتَابِ، إِذِ الشِّرْكُ مُبْتَدَعٌ فِي دِينِهِمْ لَا
[ ص: 225 ] أَصْلَ لَهُ، فَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ مِنْ غَيْرِهِمْ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=35إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=36وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ .
وَأَمَّا الْيَهُودُ فَقَدْ وَصَفَهُمْ بِالِاسْتِكْبَارِ وَالْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=4وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ، كَمَا وَصَفَ فِرْعَوْنَ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=4إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ، فَوَصَفَهُ بِالْعُلُوِّ وَالْفَسَادِ كَمَا وَصَفَهُمْ. وَقَالَ فِي آخَرِ السُّورَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=83تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا الْآيَةَ ، وَقَالَ تَعَالَى فِي خِطَابِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=83وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=87أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ، فَهُمُ اسْتَكْبَرُوا عَمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، فَقَتَلُوا فَرِيقًا مِنَ الرُّسُلِ وَكَذَّبُوا فَرِيقًا. وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا [ ص: 226 ] عَنْهَا غَافِلِينَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=18682_18673فَوَصَفَ اللَّهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِالتَّكْذِيبِ بِآيَاتِهِ وَالْغَفْلَةِ عَنْهَا، لِأَنَّ
nindex.php?page=hadith&LINKID=657139الْكِبْرَ- كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ، وَبَطَرُ الْحَقِّ جَحْدُهُ وَدَفْعُهُ، وَهَذَا هُوَ التَّكْذِيبُ، وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ التَّكْذِيبُ بِآيَاتِ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى عَنْ قَوْمِ
فِرْعَوْنَ: nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ، وَقَالَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=47وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الْآيَةَ ، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=33فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ
وَإِنَّمَا يُقَالُ: إِنَّ الْمُسْتَكْبِرَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُشْرِكًا، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ حَارِثٌ هَمَّامٌ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ حَرْثٍ هُوَ عَمَلُهُ وَحَرَكَتُهُ، وَلَا بُدَّ لِذَلِكَ مِنْ هَمٍّ هُوَ قَصْدُهُ وَنِيَّتُهُ وَحُبُّهُ، فَإِذَا اسْتَكْبَرَ عَنْ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ هُوَ مَقْصُودَهُ الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ قَصْدُهُ وَإِرَادَتُهُ، فَيُسْلِمُ وَجْهَهُ لِلَّهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَقْصُودٌ آخَرُ يَنْتَهِي إِلَيْهِ قَصْدُهُ، وَذَاكَ هُوَ إِلَهُهُ الَّذِي أَشْرَكَ. وَلِهَذَا كَانَ قَوْمُ
فِرْعَوْنَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ بِالِاسْتِكْبَارِ وَالْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ وَهُمُ الَّذِينَ اسْتَعْبَدُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ، كَانُوا مَعَ ذَلِكَ مُشْرِكِينَ
بِفِرْعَوْنَ اتَّخَذُوهُ إِلَهًا وَرَبًّا، كَمَا قَالَ لَهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=38مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ، وَقَالَ لَهُمْ:
[ ص: 227 ] nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=24أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=54فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ .
وَفِرْعَوْنُ نَفْسُهُ الَّذِي كَانَ هُوَ الْمُسْتَكْبِرَ الْأَعْظَمَ عَلَى قَوْمِهِ وَغَيْرِهِمْ، كَانَ مَعَ هَذَا مُشْرِكًا، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ تَعَالَى عَنْهُ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ، قِيلَ: كَانَ لَهُ آلِهَةٌ يَعْبُدُهَا سِرًّا. وَقَدْ وَصَفَهُمْ جَمِيعًا بِالْإِشْرَاكِ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=41وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=42تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=43لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ . وَقَالَ قَبْلَ هَذَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=34وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ الْآيَةَ ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ قَوْلَ يُوسُفَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=39السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=40مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الْآيَةَ . وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ جَمِيعِهِمْ بِالشِّرْكِ وَاتِّخَاذِ آلِهَةٍ يَدْعُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ. وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=36وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ الْآيَةَ ، وَهَذَا يُبَيِّنُ
[ ص: 228 ] أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28749جَمِيعَ الرُّسُلِ بُعِثُوا بِالتَّوْحِيدِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ
هُودٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ وَأُمَمَهُمْ ثُمَّ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=100ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ الْآيَاتِ ، يُخْبِرُ تَعَالَى فِيهَا عَنْ جَمِيعِهِمْ بِالشِّرْكِ وَاتِّخَاذِ آلِهَةٍ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْمُسْتَكْبِرُ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَعْبُدُ نَفْسَهُ وَلَا بُدَّ، فَيَكُونُ مُخْتَالًا فَخُورًا مُتَكَبِّرًا، فَيَكُونُ قَدْ أَشْرَكَ بِنَفْسِهِ إِنْ لَمْ يُشْرِكْ بِغَيْرِهِ. وَإِبْلِيسُ هُوَ أَوَّلُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=34إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ .