[ ص: 269 ]
المسألة الخلافية
في الصلاة خلف
المالكية [ ص: 270 ] [ ص: 271 ] بسم الله الرحمن الرحيم
ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين وعلماء المسلمين -وفقهم الله لطاعته- في
nindex.php?page=treesubj&link=1704رجل يزعم أنه فقيه على مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، قال للعامة : لا تجوز الصلاة خلف أئمة المالكية ، ومن صلى خلف إمام مالكي المذهب لم تصح صلاته ، ويلزمه إعادة ما صلى خلف الإمام المالكي . فلما سمع العامة كلامه امتنعوا من الصلاة خلفهم لأجل ما سمعوه منه ، وطلبوا فتاوى الأئمة ، إما بصحة ما قاله المذكور أو ببطلانه . وإذا لم يصح قوله ماذا يجب عليه؟ وهل على ولي الأمر زجره وردعه ومنعه من ذلك حتى يتعظ به غيره أم لا؟ وإذا ردع وزجر اتعظ به غيره . أفتونا مأجورين .
فأجاب
شيخ الإسلام فريد عصره ونحرير زمانه ، المميز على شيوخه وأقرانه ،
تقي الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ الإمام مفتي المسلمين أبي الفضل عبد الحليم بن شيخ الإسلام مجد الدين عبد السلام بن تيمية الحراني ، فسح الله في عمره : الحمد لله وحده . إطلاق هذا الكلام من أنكر المنكرات وأشنع المقالات ، يستحق مطلقه التعزير البليغ ، فإن فيه من إظهار الاستخفاف بحرمة هؤلاء الأئمة السادة ما يوجب غليظ العقوبة ، ويدخل صاحبه
[ ص: 272 ] في أهل البدع المضلة . فإن
nindex.php?page=treesubj&link=33935مذهب الإمام الأعظم nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس -إمام دار الهجرة ودار السنة ،
المدينة النبوية التي سنت فيها السنن ، وشرعت فيها الشريعة ، وخرج منها العلم والإيمان- هو من أعظم المذاهب قدرا ، وأجلها مرتبة . حتى تنازعت الأمة في
nindex.php?page=treesubj&link=21661إجماع أهل المدينة هل هو حجة أم لا؟ ولم يختلفوا في أن إجماع أهل مدينة غيرها ليس بحجة . والصحيح أن إجماعهم في زمن الخلفاء الراشدين
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان ، فإن أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا -رضي الله عنهم- انتقل عنها إلى
الكوفة . وفيما نقلوه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كالصاع وترك صدقة الخضرات ونحو ذلك حجة يجب اتباعها .
وكذلك الصحيح أن اجتهاد أهل
المدينة في ذلك الزمن مرجح على اجتهاد غيرهم ، فيرجح أحد الدليلين بموافقة عمل أهل
المدينة .
وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وهو المنصوص عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وقول محققي أصحابه .
nindex.php?page=treesubj&link=33935وكان nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك بن أنس -رحمه الله- من جلالة القدر عند جميع الأمة ، أمرائها وعلمائها ومشايخها وملوكها وعامتها ، من القدر ما لم يكن لغيره من نظرائه ، ولم يكن في وقته أجل عند الأمة منه . وقد روي حديث نبوي ، وفسر به . ومن جاء بعده من الأئمة -رحمهم الله-
[ ص: 273 ] مثل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل وغيرهما; فهم أشد الناس تعظيما لأصوله وقواعده ، ومتابعة له فيها . وهم متفقون على أن مذاهب أهل
المدينة رأيا ورواية أصح مذاهب أهل المدائن الإسلامية في ذلك الوقت .
وكيف يستجيز مسلم يطلق مثل هذه العبارة الخبيثة ، وقد
nindex.php?page=treesubj&link=1704اتفق سلف الأمة من الصحابة والتابعين على صلاة بعضهم خلف بعض ، مع تنازعهم في بعض فروع الفقه ، وفي بعض واجبات الصلاة ومبطلاتها . ومن نهى بعض الأمة عن الصلاة خلف بعض لأجل ما يتنازعون فيه من موارد الاجتهاد; فهو من جنس أهل البدع والضلال الذين قال الله فيهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء ، وقال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ، إلى غير ذلك من نصوص الكتاب والسنة التي تأمر بالجماعة والائتلاف وتنهى عن الفرقة والاختلاف .
[ ص: 269 ]
الْمَسْأَلَةُ الْخِلَافِيَّةُ
فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ
الْمَالِكِيَّةِ [ ص: 270 ] [ ص: 271 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْفُقَهَاءُ أَئِمَّةُ الدِّينِ وَعُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ -وَفَّقَهُمُ اللَّهُ لِطَاعَتِهِ- فِي
nindex.php?page=treesubj&link=1704رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ فَقِيهٌ عَلَى مَذْهَبِ nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، قَالَ لِلْعَامَّةِ : لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ ، وَمَنْ صَلَّى خَلْفَ إِمَامٍ مَالِكِيِّ الْمَذْهَبِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ ، وَيَلْزَمُهُ إِعَادَةُ مَا صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ الْمَالِكِيِّ . فَلَمَّا سَمِعَ الْعَامَّةُ كَلَامَهُ امْتَنَعُوا مِنَ الصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ لِأَجْلِ مَا سَمِعُوهُ مِنْهُ ، وَطَلَبُوا فَتَاوَى الْأَئِمَّةِ ، إِمَّا بِصِحَّةِ مَا قَالَهُ الْمَذْكُورُ أَوْ بِبُطْلَانِهِ . وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ؟ وَهَلْ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ زَجْرُهُ وَرَدْعُهُ وَمَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَتَّعِظَ بِهِ غَيْرُهُ أَمْ لَا؟ وَإِذَا رُدِعَ وَزُجِرَ اتَّعَظَ بِهِ غَيْرُهُ . أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ .
فَأَجَابَ
شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَرِيدُ عَصْرِهِ وَنِحْرِيرُ زَمَانِهِ ، الْمُمَيَّزُ عَلَى شُيُوخِهِ وَأَقْرَانِهِ ،
تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الشَّيْخِ الْإِمَامُ مُفْتِي الْمُسْلِمِينَ أَبِي الْفَضْلِ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مَجْدُ الدِّينِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ تَيْمِيَّةَ الْحَرَّانِيُّ ، فَسَحَ اللَّهُ فِي عُمْرِهِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ . إِطْلَاقُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ أَنْكَرِ الْمُنْكِرَاتِ وَأَشْنَعِ الْمَقَالَاتِ ، يَسْتَحِقُّ مُطْلِقُهُ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ ، فَإِنَّ فِيهِ مِنْ إِظْهَارِ الِاسْتِخْفَافِ بِحُرْمَةِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ السَّادَةِ مَا يُوجِبُ غَلِيظَ الْعُقُوبَةِ ، وَيُدْخِلُ صَاحِبَهُ
[ ص: 272 ] فِي أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ . فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33935مَذْهَبَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ -إِمَامِ دَارِ الْهِجْرَةِ وَدَارِ السُّنَّةِ ،
الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ الَّتِي سُنَّتْ فِيهَا السُّنَنُ ، وَشُرِعَتْ فِيهَا الشَّرِيعَةُ ، وَخَرَجَ مِنْهَا الْعِلْمُ وَالْإِيمَانُ- هُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَذَاهِبِ قَدْرًا ، وَأَجَلِّهَا مَرْتَبَةً . حَتَّى تَنَازَعَتِ الْأُمَّةُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21661إِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَلْ هُوَ حُجَّةٌ أَمْ لَا؟ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ إِجْمَاعَ أَهْلِ مَدِينَةٍ غَيْرِهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ . وَالصَّحِيحُ أَنَّ إِجْمَاعَهُمْ فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=7وَعُثْمَانَ ، فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ- انْتَقَلَ عَنْهَا إِلَى
الْكُوفَةِ . وَفِيمَا نَقَلُوهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالصَّاعِ وَتَرْكِ صَدَقَةِ الْخَضِرَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ حُجَّةٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهَا .
وَكَذَلِكَ الصَّحِيحُ أَنَّ اجْتِهَادَ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ مُرَجَّحٌ عَلَى اجْتِهَادِ غَيْرِهِمْ ، فَيُرَجَّحُ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ بِمُوَافَقَةِ عَمَلِ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ .
وَهَذَا مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَوْلُ مُحَقِّقِي أَصْحَابِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=33935وَكَانَ nindex.php?page=showalam&ids=16867لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ- مِنْ جَلَالَةِ الْقَدْرِ عِنْدَ جَمِيعِ الْأُمَّةِ ، أُمَرَائِهَا وَعُلَمَائِهَا وَمَشَايِخِهَا وَمُلُوكِهَا وَعَامَّتِهَا ، مِنَ الْقَدْرِ مَا لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ مِنْ نُظَرَائِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِهِ أَجَلُّ عِنْدَ الْأُمَّةِ مِنْهُ . وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثٌ نَبَوِيٌّ ، وَفُسِّرَ بِهِ . وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ -رَحِمَهُمُ اللَّهُ-
[ ص: 273 ] مِثْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا; فَهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ تَعْظِيمًا لِأُصُولِهِ وَقَوَاعِدِهِ ، وَمُتَابَعَةً لَهُ فِيهَا . وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَذَاهِبَ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ رَأْيًا وَرِوَايَةً أَصَحُّ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْمَدَائِنِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ .
وَكَيْفَ يَسْتَجِيزُ مُسْلِمٌ يُطْلِقُ مِثْلَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْخَبِيثَةِ ، وَقَدِ
nindex.php?page=treesubj&link=1704اتَّفَقَ سَلَفُ الْأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى صَلَاةِ بَعْضِهِمْ خَلْفَ بَعْضٍ ، مَعَ تَنَازُعِهِمْ فِي بَعْضِ فُرُوعِ الْفِقْهِ ، وَفِي بَعْضِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَمُبْطِلَاتِهَا . وَمَنْ نَهَى بَعْضَ الْأُمَّةِ عَنِ الصَّلَاةِ خَلْفَ بَعْضٍ لِأَجْلِ مَا يَتَنَازَعُونَ فِيهِ مِنْ مَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ; فَهُوَ مِنْ جِنْسِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=103وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=105وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الَّتِي تَأْمُرُ بِالْجَمَاعَةِ وَالِائْتِلَافِ وَتَنْهَى عَنِ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ .