فصل
في صفات المنافقين
[ ص: 70 ] (وهذا فصل من كلام
الشيخ تقي الدين رضي الله عنه من غير الكلام الأول) .
فصل
nindex.php?page=treesubj&link=30563ذكر الله المنافقين في القرآن فوصفهم بصفات كقول الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=16أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=18صم بكم عمي فهم لا يرجعون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير .
وهذا كما قال من قال من السلف المفسرين،
nindex.php?page=showalam&ids=16815كقتادة وغيره: عرفوا ثم أنكروا، وأبصروا ثم عموا، واهتدوا ثم ضلوا، ونحو ذلك. فإنه أخبر أنهم اشتروا الضلالة بالهدى، وهذه حال من أخذ الضلالة التي لم تكن عنده، وأخرج الهدى الذي كان عنده، وإن كان قد يقال: إن مثل هذا قد يقال للقادر على الأمرين، إذا ترك هذا وأخذ هذا، لكن سياق الكلام يدل على الأول، فإنه قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17مثلهم كمثل الذي استوقد نارا أي طلب إيقادها وأوقدها،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم إلى آخر الآية، فمثلهم بالذي جعل لنفسه نارا ينتفع بضوئها، فلما أضاءت
[ ص: 72 ] ذهب النور، وبقي في ظلمة لا يبصر، وأخبر أنهم
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=18صم بكم عمي فهم لا يرجعون إلى الحال التي كانوا عليها من الهدى والنور.
وأما المثل الثاني وهو حال المطر الذي فيه ظلمات ورعد يسمع، وبرق يرى، وأنهم يخافون من صوت الصواعق ومن لمعان البرق، فيمتنعون، فتحصل الآفة في سمعهم وبصرهم، وأنهم مع ذلك إذا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا فهذه حال من يكون إدراكه الذي هو سمعه وبصره، وعمله الذي هو حركته، فيه خلل واضطراب وآفة ونقص وفساد، ولكن لم يعدم ذلك بالكلية.
وهذه تشبه حال من فيه إيمان ونفاق، وفي قلبه مرض، والأولى حال من ارتد عن الهدى بالكلية.
وقد قال أيضا في سورة المنافقين :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=2اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=3ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون فأخبر أنهم آمنوا ثم كفروا كما ذكر نحو ذلك في سورة البقرة، وهذا يقتضي شيئين، أحدهما: أنه قد كان منهم ما هو إيمان، وأنهم رجعوا عنه، ومعلوم أنهم ليسوا كالمرتدين الظاهري الردة، فإن ذلك قسم آخر ذكره الله في القرآن في غير موضع، وله حكم آخر في الكتاب والسنة، بل هذه حال المنافقين المتناقضين، الذين يقولون قول المؤمنين،
[ ص: 73 ] ويقولون ما ينقض قول المؤمنين، ولو كانوا صادقين محققين القول الأول لم يأتوا بما يناقضه.
وليسوا أيضا تاركين لكل ما يتركه المؤمنون ويفعلونه، بل يوافقونهم على شيء، ويوافقون شياطينهم على شيء، وهم وإن كانوا في الظاهر مع المؤمنين، ففي الباطن مع شياطينهم، وهذا هو النفاق، وقد فسر بذلك إيمانهم وكفرهم، أي آمنوا ظاهرا ثم كفروا باطنا.
فالقرآن يدل على أنهم أولا حصل لهم هدى، ثم رجعوا عنه، مع كونهم أظهروا خلاف ما يبطنون، وهذه حال طوائف من العباد، يقرون بالحق من بعض الوجوه، ولم يقروا به إقرارا تاما، فهم كاذبون في دعواهم الإيمان به، ثم إنهم يتناقضون فيأتون بما ينافي الإيمان، وقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=14قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا ، فهذا يبين أنهم دخلوا في الإسلام الذي إذا عملوا فيه عملا صالحا لم ينقصوه، ومع ذلك لم يدخل حقيقة الإيمان إلى قلوبهم، فكثير من الناس يقر بالحق ابتداء، وإن لم يكن في قلبه إذ ذاك تكذيب به أو بغض له، بل لا يكون في قلبه حقيقة التصديق والمحبة، وإن كان فيه بعض ذلك، مع إقراره بلسانه وظاهره.
وفرق بين أن يقوم بقلبه نقيض ما أظهره، وبين أن لا يحقق بقلبه ما أظهره، فإن الأول قام بقلبه كفر وجودي، وهذا لم يقم بقلبه كفر
[ ص: 74 ] وجودي، لكن لم يقم بقلبه حقيقة الإيمان، وإن كان قد دخل فيهم منادي الإيمان، إذ تكلموا به، وكان له أثر في قلوبهم، فهذا- والله أعلم- حال الموصوفين في سورة البقرة والمنافقين، فإنه قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين فأخبر أنهم في الحقيقة لم يؤمنوا، وأن في قلوبهم مرضا، والمرض يكون ريبا وشكا. وأخبر أنه إذا قيل لهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ، وأخبر أنهم يوافقون في الظاهر المؤمنين، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا: إنا معكم، إنما نحن مستهزؤون، ثم أخبر عنهم بما يقتضي ردتهم عن هدى حصل لهم، فهذا- والله أعلم- يقتضي أنهم في أول الأمر حصل لهم أمر ناقص، لا يستوجبون به حقيقة الإيمان، كما ذكر عن الأعراب، ولكن لو استمروا على اتباع الحق قوي إيمانهم، فرجعوا عن ذلك الهدى ونافقوا المؤمنين.
فَصْلٌ
فِي صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ
[ ص: 70 ] (وَهَذَا فَصْلٌ مِنْ كَلَامِ
الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ) .
فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=30563ذَكَرَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ فِي الْقُرْآنِ فَوَصَفَهُمْ بِصِفَاتٍ كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=16أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=18صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
وَهَذَا كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ السَّلَفِ الْمُفَسِّرِينَ،
nindex.php?page=showalam&ids=16815كَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِ: عَرَفُوا ثُمَّ أَنْكَرُوا، وَأَبْصَرُوا ثُمَّ عَمُوا، وَاهْتَدَوْا ثُمَّ ضَلُّوا، وَنَحْوَ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُمُ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى، وَهَذِهِ حَالُ مَنْ أَخَذَ الضَّلَالَةَ الَّتِي لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ، وَأَخْرَجَ الْهُدَى الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُقَالُ: إِنَّ مِثْلَ هَذَا قَدْ يُقَالُ لِلْقَادِرِ عَلَى الْأَمْرَيْنِ، إِذَا تَرَكَ هَذَا وَأَخَذَ هَذَا، لَكِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا أَيْ طَلَبَ إِيقَادَهَا وَأَوْقَدَهَا،
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَمَثَّلَهُمْ بِالَّذِي جَعَلَ لِنَفْسِهِ نَارًا يُنْتَفَعُ بِضَوْئِهَا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ
[ ص: 72 ] ذَهَبَ النُّورُ، وَبَقِيَ فِي ظُلْمَةٍ لَا يُبْصِرُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=18صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ إِلَى الْحَالِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا مِنَ الْهُدَى وَالنُّورِ.
وَأَمَّا الْمَثَلُ الثَّانِي وَهُوَ حَالُ الْمَطَرِ الَّذِي فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ يُسْمَعُ، وَبَرْقٌ يُرَى، وَأَنَّهُمْ يَخَافُونَ مِنْ صَوْتِ الصَّوَاعِقِ وَمِنْ لَمَعَانِ الْبَرْقِ، فَيَمْتَنِعُونَ، فَتَحْصُلُ الْآفَةُ فِي سَمْعِهِمْ وَبَصَرِهِمْ، وَأَنَّهُمْ مَعَ ذَلِكَ إِذَا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=20أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا فَهَذِهِ حَالُ مَنْ يَكُونُ إِدْرَاكُهُ الَّذِي هُوَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ، وَعَمَلُهُ الَّذِي هُوَ حَرَكَتُهُ، فِيهِ خَلَلٌ وَاضْطِرَابٌ وَآفَةٌ وَنَقْصٌ وَفَسَادٌ، وَلَكِنْ لَمْ يَعْدَمْ ذَلِكَ بِالْكُلِّيَّةِ.
وَهَذِهِ تُشْبِهُ حَالَ مَنْ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ، وَفِي قَلْبِهِ مَرَضٌ، وَالْأُولَى حَالُ مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْهُدَى بِالْكُلِّيَّةِ.
وَقَدْ قَالَ أَيْضًا فِي سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=2اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=3ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا كَمَا ذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي شَيْئَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْهُمْ مَا هُوَ إِيمَانٌ، وَأَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَيْسُوا كَالْمُرْتَدِّينَ الظَّاهِرِي الرِّدَّةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ قِسْمٌ آخَرُ ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَلَهُ حُكْمٌ آخَرُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، بَلْ هَذِهِ حَالُ الْمُنَافِقِينَ الْمُتَنَاقِضِينَ، الَّذِينَ يَقُولُونَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ،
[ ص: 73 ] وَيَقُولُونَ مَا يَنْقُضُ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَوْ كَانُوا صَادِقِينَ مُحَقِّقِينَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لَمْ يَأْتُوا بِمَا يُنَاقِضُهُ.
وَلَيْسُوا أَيْضًا تَارِكِينَ لِكُلِّ مَا يَتْرُكُهُ الْمُؤْمِنُونَ وَيَفْعَلُونَهُ، بَلْ يُوَافِقُونَهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَيُوَافِقُونَ شَيَاطِينَهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَهُمْ وَإِنْ كَانُوا فِي الظَّاهِرِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ، فَفِي الْبَاطِنِ مَعَ شَيَاطِينِهِمْ، وَهَذَا هُوَ النِّفَاقُ، وَقَدْ فُسِّرَ بِذَلِكَ إِيمَانُهُمْ وَكُفْرُهُمْ، أَيْ آمَنُوا ظَاهِرًا ثُمَّ كَفَرُوا بَاطِنًا.
فَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ أَوَّلًا حَصَلَ لَهُمْ هُدًى، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْهُ، مَعَ كَوْنِهِمْ أَظْهَرُوا خِلَافَ مَا يُبْطِنُونَ، وَهَذِهِ حَالُ طَوَائِفَ مِنَ الْعِبَادِ، يُقِرُّونَ بِالْحَقِّ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلَمْ يُقِرُّوا بِهِ إِقْرَارًا تَامًّا، فَهُمْ كَاذِبُونَ فِي دَعْوَاهُمُ الْإِيمَانَ بِهِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ يَتَنَاقَضُونَ فَيَأْتُونَ بِمَا يُنَافِي الْإِيمَانَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=14قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ، فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُمْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ الَّذِي إِذَا عَمِلُوا فِيهِ عَمَلًا صَالِحًا لَمْ يَنْقُصُوهُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ إِلَى قُلُوبِهِمْ، فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُقِرُّ بِالْحَقِّ ابْتِدَاءً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ إِذْ ذَاكَ تَكْذِيبٌ بِهِ أَوْ بُغْضٌ لَهُ، بَلْ لَا يَكُونُ فِي قَلْبِهِ حَقِيقَةُ التَّصْدِيقِ وَالْمَحَبَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ ذَلِكَ، مَعَ إِقْرَارِهِ بِلِسَانِهِ وَظَاهِرِهِ.
وَفَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَقُومَ بِقَلْبِهِ نَقِيضُ مَا أَظْهَرَهُ، وَبَيْنَ أَنْ لَا يُحَقِّقَ بِقَلْبِهِ مَا أَظْهَرَهُ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ قَامَ بِقَلْبِهِ كُفْرٌ وُجُودِيٌّ، وَهَذَا لَمْ يَقُمْ بِقَلْبِهِ كُفْرٌ
[ ص: 74 ] وُجُودِيٌّ، لَكِنْ لَمْ يَقُمْ بِقَلْبِهِ حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ فِيهِمْ مُنَادِي الْإِيمَانِ، إِذْ تَكَلَّمُوا بِهِ، وَكَانَ لَهُ أَثَرٌ فِي قُلُوبِهِمْ، فَهَذَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- حَالُ الْمَوْصُوفِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَالْمُنَافِقِينَ، فَإِنَّهُ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يُؤْمِنُوا، وَأَنَّ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضًا، وَالْمَرَضُ يَكُونُ رَيْبًا وَشَكًّا. وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إِذَا قِيلَ لَهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَ فِي الظَّاهِرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا: إِنَّا مَعَكُمْ، إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِمَا يَقْتَضِي رِدَّتَهُمْ عَنْ هُدًى حَصَلَ لَهُمْ، فَهَذَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- يَقْتَضِي أَنَّهُمْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ حَصَلَ لَهُمْ أَمْرٌ نَاقِصٌ، لَا يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ، كَمَا ذَكَرَ عَنِ الْأَعْرَابِ، وَلَكِنْ لَوِ اسْتَمَرُّوا عَلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ قَوِيَ إِيمَانُهُمْ، فَرَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ الْهُدَى وَنَافَقُوا الْمُؤْمِنِينَ.