قال ويسألون عن أبو عبد الله : فمن قولهم إنهن لا يحللن . نكاح الوثنيات ، والمجوسيات هل يحللن ؟
ويقال لهم : فإن وثنية دخلت في الإسلام ، وتبرأت من دينها ، فأقرت بجميع ما جاء من عند الله عز وجل ، وصدقت به ، غير أنها قد كانت سرقت في شركها سرقة ، فلم تتب من السرقة ، غير أنها قد عرفت أن السرقة حرام ، وأقرت به ، هل تكون مؤمنة ؟ فإن قالوا : ليست بمؤمنة ، ولكنها مسلمة ، قيل : فهل يحل نكاحها للمسلمين ، وهي تصلي ، وتصوم ، وتؤدي الفرائض ، إلا أنها لم تتب من السرقة ، أو من شرب الخمر ؟ فإن أحلوا نكاحها ، خالفوا كتاب الله على مذهبهم ، لأنه قال : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) ، وهذه أسلمت ، ولم تؤمن في مذهبهم ، [ ص: 542 ] وإن حرموا نكاحها خرجوا من قول أهل العلم .
قال : ويقال لهم : ما تقولون في فإن قالوا : لا ، لأنه قد زال عنها اسم أهل الكتاب . يهودية تمجست ، أيحل نكاحها ؟
قيل لهم : فإن شربت مؤمنة خمرا ، أليس قد خرجت من الإيمان ، كما خرجت اليهودية من أهل الكتاب حين تمجست ؟ !فإن قالوا : نعم ، قيل : فهل حرمت على زوجها ، أو هل يحل نكاحها ، إن لم يكن لها زوج ؟ !فإن قالوا : لا تحرم على زوجها ، ولا يحرم نكاحها على المؤمنين .
قيل لهم : وكيف ؟ وقد زال عن هذه اسم الإيمان كما زال عن تلك اسم أهل الكتاب ، وإنما أباح الله نكاح المحصنات من المؤمنات ، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ، وهذه ليست من واحد من هذين الصنفين ، ففي إجماع المسلمين على أن نكاح هذه حلال ، دليل على أن شاربة الخمر ، والسارقة مؤمنة في الحكم ، والاسم ، لا مؤمنة مستكملة الإيمان ، ومستحقة ثواب المؤمنين ، لأن الله أحل نكاح تلك على اسم الإيمان ، لا على اسم الإسلام ، وهذه حجة لازمة لهم ، لا سبيل لهم إلى الخروج منها إلا بالشغب ، والمكابرة ، أو الرجوع إلى الحق ، والله أعلم . [ ص: 543 ]
وقال الله عز وجل : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ، فأصلحوا بينهما ) إلى قوله : ( إنما المؤمنون إخوة ، فأصلحوا بين أخويكم ) ، فسماهم مؤمنين ، وقد اقتتلوا ، وأمر بالإصلاح بينهم ، وجعلهم إخوة في الدين .
وقد ولي رضي الله عنه قتال أهل البغي ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ما روي ، وسماهم مؤمنين ، وحكم فيهم بأحكام المؤمنين ، وكذلك علي بن أبي طالب عمار بن ياسر .