قال فإنما أمرهم بأن يتوبوا من ذنوب أحدثوها ، ليست بكفر ، ولا شرك ، ولو كانت الذنوب أخرجتهم من الإيمان لما سماهم الله مؤمنين ، ولكن سماهم مؤمنين ، وافترض عليهم [ ص: 539 ] أبو عبد الله : فمن زعم أن من أتى كبيرة ، زال عنه اسم الإيمان ، لزمه أن يسقط عنه هذه الفرائض كلها ، لأن الله إنما أوجبها على المؤمنين باسم الإيمان ، وقال الله : ( التوبة من الذنوب ، ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) ، ( ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ) ، ثم خص المحصنات من أهل الكتاب ، فأحل نكاحهن ، وقال : ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ، وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن ) ، فلو أن مسلمة سرقت ، أو شربت جرعة من خمر ، لكان اسم الإيمان قد زال عنها في قول هؤلاء ، فوجب تحريم نكاحها عليهم ، لأن الله إنما أباح نكاح المحصنات من المؤمنات ، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ، وليست هذه من المؤمنات ، ولا من أهل الكتاب . وقال الله عز وجل : ( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات ) .
فيسألون عن من لا يستطيع طولا لنكاح المحصنة ، وخاف العنت ، فأراد أن يتزوج أمة مسلمة تصوم ، وتصلي ، إلا أنها قد سرقت درهما أيحل له نكاحها ؟ فإن أباحوا نكاحها ، وليست عندهم بمؤمنة خرجوا من حكم الكتاب ، وإن حرموا نكاحها خرجوا من لسان الأمة إلا طائفة من الخوارج ، وقال الله عز وجل : [ ص: 540 ]
( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ) الآية .
فيسألون عن رجل أتى كبيرة ، فقتله رجل خطأ : أعليه عتق رقبة مؤمنة ، ودية مسلمة ؟ !فإن قالوا : نعم ، قيل لهم : فمن أين أوجبتم عليه ذلك ؟ وإنما أوجب الله عتق الرقبة ، والدية على من قتل مؤمنا ، وهذا المقتول ليس بمؤمن من عندكم ، ولا هو من أهل الكتاب الذين بيننا وبينهم ميثاق ، فلا ينبغي أن يكون على قاتله عندكم دية ، ولا عتق رقبة ، وقال الله : ( فتحرير رقبة مؤمنة ) ، فما تقولون في أمة ، أو عبد مسلم يصوم ، ويصلي ، ويؤدي الفرائض إلا أنها سرقت ، أو شربت خمرا ، هل يجوز عتقها عن من عليه عتق رقبة ؟ فإن أجازوا عتقها ، فقد أثبتوا لها اسم الإيمان ، وتركوا قولهم ، وإن قالوا : ليست بمؤمنة ، وعتقها جائز خالفوا حكم الكتاب ، وإن زعموا أن عتقها ليس بجائز خرجوا من لسان الأمة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأمة السوداء حين امتحنها بالشهادتين ، فأقرت : ولم يقل : إنها مسلمة . [ ص: 541 ] " أعتقها ، فإنها مؤمنة " ،