قال تعالى : ( وتقطعت بهم الأسباب إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب ( 166 ) ) .
قوله تعالى : ( إذ تبرأ ) : إذ هذه بدل من إذ الأولى ، أو ظرف لقوله : ( شديد العذاب ) [ البقرة : 165 ] أو مفعول اذكر . وتبرأ بمعنى يتبرأ . ( ورأوا العذاب ) : معطوف على تبرأ .
ويجوز أن يكون حالا ، وقد معه مرادة ، والعامل تبرأ ; أي تبرءوا ، وقد رأوا العذاب . ( وتقطعت بهم ) : الباء هنا للسببية ، والتقدير : وتقطعت بسبب كفرهم .
( الأسباب ) : التي كانوا يرجون بها النجاة .
ويجوز أن يكون الباء للحال ; أي تقطعت موصولة بهم الأسباب كقولك خرج زيد بثيابه ، وقيل بهم بمعنى عنهم ، وقيل الباء للتعدية والتقدير : قطعتهم الأسباب كما تقول تفرقت بهم الطرق ; أي فرقتهم ، ومنه قوله تعالى : ( فتفرق بكم عن سبيله ) [ الأنعام : 153 ] .
( كرة ) : مصدر كر يكر ، إذا رجع .
( فنتبرأ ) : منصوب بإضمار أن ، تقديره : لو أن لنا أن نرجع فأن نتبرأ . وجواب لو على هذا محذوف تقديره : لتبرأنا أو نحو ذلك .
وقيل : لو هنا تمن ، فنتبرأ منصوب على جواب التمني ، والمعنى ليت لنا كرة فنتبرأ . ( كذلك ) : الكاف في موضع رفع ; أي الأمر كذلك .
ويجوز أن يكون نصبا صفة لمصدر محذوف ; أي يريهم رؤية كذلك ، أو يحشرهم كذلك ، أو يجزيهم ونحو ذلك . و ( يريهم ) : من رؤية العين فهو متعد إلى مفعولين هنا بهمزة النقل ; و " حسرات " على هذا حال ، وقيل يريهم ; أي يعلمهم فيكون حسرات مفعولا ثالثا .
و ( عليهم ) : صفة لحسرات ; أي كائنة عليهم .
[ ص: 115 ] ويجوز أن يتعلق بنفس حسرات على أن يكون في الكلام حذف مضاف ، تقديره : على تفريطهم ، كما تقول تحسر على تفريطهم .
قال تعالى : ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ( 168 ) ) .
قوله تعالى : ( كلوا مما في الأرض ) : الأصل في كل أأكل ; فالهمزة الأولى همزة وصل ، والثانية فاء الكلمة ، إلا أنهم حذفوا الفاء فاستغنوا عن همزة الوصل لتحرك ما بعدها ، والحذف هنا ليس بقياس ، ولم يأت إلا في كل وخذ ومر .
( حلالا ) : مفعول كلوا فتكون من متعلقة بـ ( كلوا ) ، وهي لابتداء الغاية .
ويجوز أن تكون من متعلقة بمحذوف ، ويكون حالا من ( حلالا ) ; والتقدير : كلوا حلالا مما في الأرض فلما قدمت الصفة صارت حالا . فأما ( طيبا ) فهي صفة لحلال على الوجه الأول ، وأما على الوجه الثاني فيكون صفة لحلال . ولكن موضعها بعد الجار والمجرور لئلا يفصل بالصفة بين الحال وذي الحال .
ويجوز أن يكون " مما " حالا موضعها بعد طيب ; لأنها في الأصل صفات ، وأنها قدمت على النكرة ، ويجوز أن يكون طيبا على هذا القول صفة لمصدر محذوف تقديره كلوا الحلال مما في الأرض أكلا طيبا . ويجوز أن ينتصت حلالا على الحال من ما ، وهي بمعنى الذي ، وطيبا صفة الحال ، ويجوز أن يكون حلالا صفة لمصدر محذوف ; أي أكلا حلالا فعلى هذا مفعول كلوا محذوف ; أي كلوا شيئا أو رزقا ويكون " من " صفة للمحذوف . ويجوز على مذهب الأخفش أن تكون من زائدة .
( خطوات ) : يقرأ بضم الطاء على إتباع الضم الضم ، وبإسكانها للتخفيف . ويجوز في غير القرآن فتحها . وقرئ في الشاذ بهمز الواو لمجاورتها الضمة ، وهو ضعيف ، ويقرأ شاذا بفتح الخاء والطاء على أن يكون الواحد خطوة والخطوة بالفتح مصدر خطوات ، وبالضم ما بين القدمين ، وقيل : هما لغتان بمعنى واحد .
( إنه لكم ) : إنما كسر الهمزة ; لأنه أراد الإعلام بحاله وهو أبلغ من الفتح ; لأنه إذا فتح الهمزة صار التقدير : لا تتبعوه لأنه لكم ، واتباعه ممنوع ، وإن لم يكن عدوا لنا .
[ ص: 116 ] ومثله : لبيك ، إن الحمد لك ; كسر الهمزة أجود لدلالة الكسر على استحقاقه الحمد في كل حال ، وكذلك التنبيه .
والشيطان هنا جنس ، وليس المراد به واحدا .