قال تعالى : ( قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ( 68 ) ) .
قوله تعالى : ( فادع لنا ) : اللغة الجيدة ضم العين ، والواو محذوفة علامة للبناء عند البصريين ، وللجزم عند الكوفيين .
[ ص: 65 ] ومن العرب من يكسر العين ، ووجهها أنه قدر العين ساكنة كأنها آخر الفعل ، ثم كسرها لسكونها وسكون الدال قبلها .
( ما لونها ) : ما اسم للاستفهام في موضع رفع بالابتداء ، ولونها الخبر ، والجملة في موضع نصب بـ ( يبين ) ، ولو قرئ لونها بالنصب ، لكان له وجه ; وهو أن تجعل ما زائدة كهي في قوله : ( أيما الأجلين قضيت ) [ القصص : 28 ] ويكون التقدير : يبين لنا لونها .
وأما ( ما هي ) : فابتداء وخبر لا غير ، إذ لا يمكن جعل ما زائدة ; لأن ( ( هي ) ) لا يصلح أن يكون مفعول يبين .
( لا فارض ) : صفة لبقرة ، و " لا " لا تمنع ذلك ; لأنها دخلت لمعنى النفي ، فهو كقولك : مررت برجل لا طويل ولا قصير ، وإن شئت جعلته خبر مبتدأ ; أي لا هي فارض . ( ولا بكر ) : مثله ، وكذلك : ( ( عوان ) ) .
( بين ذلك ) : أي بينهما ، ( ( وذلك ) ) لما صلح للتثنية والجمع جاز دخول ( ( بين ) ) عليه ، واكتفى به . ( ما تؤمرون ) : أي به ، أو تؤمرونه ، وما بمعنى الذي ، ويضعف أن يكون نكرة موصوفة ; لأن المعنى على العموم ، وهو بالذي أشبه .
قال تعالى : ( قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها ( 69 ) ) .
قوله تعالى : ( فاقع لونها ) : إن شئت جعلت ( ( فاقع ) ) صفة ، ولونها مرفوعا به ، وإن شئت كان خبرا مقدما والجملة صفة .
( تسر ) : صفة أيضا ، وقيل ( ( فاقع ) ) صفة للبقرة ، ولونها مبتدأ ، وتسر خبره ، وأنث اللون لوجهين : أحدهما : أن اللون صفرة هاهنا فحمل على المعنى . والثاني : أن اللون مضاف إلى المؤنث فأنث ، كما قال ذهبت بعض أصابعه ، و ( تلتقطه بعض السيارة ) .
قال تعالى : ( وإنا إن شاء الله لمهتدون قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا ( 70 ) ) .
[ ص: 66 ] قوله تعالى : ( إن البقر ) : الجمهور على قراءة البقر بغير ألف هو جنس للبقرة ; وقرئ شاذا " إن الباقر " وهو اسم جمع بقرة ومثله الجامل .
( تشابه ) : الجمهور على تخفيف الشين ، وفتح الهاء ; لأن البقرة تذكر ، والفعل ماض ، ويقرأ بضم الهاء مع التخفيف على تأنيث البقر ، إذ كانت كالجمع .
ويقرأ بضم الهاء وتشديد الشين ، وأصله تتشابه ، فأبدلت التاء الثانية شينا ، ثم أدغمت [ يوسف : 10 ] ، ويقرأ كذلك إلا أنه بالياء على التذكير .
( إن شاء الله ) : جواب الشرط إن وما عملت فيه عند ، وجاز ذلك لما كان الشرط متوسطا ، وخبر إن هو جواب الشرط في المعنى ، وقد وقع بعده فصار التقدير : إن شاء الله هدايتنا اهتدينا ، والمفعول محذوف ، وهو هدايتنا . سيبويه
وقال : الجواب محذوف دلت عليه الجملة ; لأن الشرط معترض ، فالنية به التأخير فيصير كقولك : أنت ظالم إن فعلت . المبرد
قال تعالى : ( ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ( 71 ) ) .
قوله تعالى : ( لا ذلول ) : إذا وقع فعول صفة لم يدخله الهاء للتأنيث ، تقول : امرأة صبور شكور ، وهو بناء للمبالغة . وذلول : رفع صفة للبقرة ، أو خبر ابتداء محذوف ، وتكون الجملة صفة .
( تثير ) : في موضع نصب حالا من الضمير في ذلول ، تقديره : لا تذل في حال إثارتها ، ويجوز أن يكون رفعا إتباعا لذلول .
وقيل : هو مستأنف ; أي هي تثير ، وهذا قول من قال : إن البقرة كانت تثير الأرض ولم تكن تسقي الزرع ، وهو قول بعيد من الصحة لوجهين : أحدهما : أنه عطف عليه : ( ولا تسقي الحرث ) : فنفى المعطوف ; فيجب أن يكون المعطوف عليه كذلك ; لأنه في المعنى واحد . ألا ترى أنك لا تقول : مررت برجل قائم ولا قاعد ، بل تقول : لا قاعد بغير واو ، كذلك يجب أن يكون هنا .
والثاني : أنها لو أثارت الأرض لكانت ذلولا ، وقد نفى ذلك .
ويجوز على قول من أثبت هذا الوجه أن تكون تثير في موضع رفع صفة للبقرة .
[ ص: 67 ] ( ولا تسقي الحرث ) : يجوز أن يكون صفة أيضا ; وأن يكون خبر ابتداء محذوف . وكذلك : ( مسلمة ) ، و " لا شية فيها " والأحسن أن يكون صفة .
والأصل في ( شية وشية ) ; لأنه من وشا يشي ، فلما حذفت الواو في الفعل حذفت في المصدر ، وعوضت التاء من المحذوف ، ووزنها الآن علة .
وفيها خبر لا في موضع رفع . ( قالوا الآن ) : الألف واللام في الآن زائدة ، وهو مبني ; قال : بني ; لتضمنه معنى حرف الإشارة ; كأنك قلت هذا الوقت . الزجاج
وقال أبو علي : بني لتضمنه معنى لام التعريف ; لأن الألف واللام الملفوظ بهما لم تعرفه ولا هو علم ولا مضمر ; ولا شيء من أقسام المعارف ; فيلزم أن يكون تعريفه باللام المقدرة ، واللام هنا زائدة زيادة لازمة ، كما لزمت في الذي ، وفي اسم الله .
وفي الآن أربعة أوجه : أحدها : تحقيق الهمزة ; وهو الأصل .
والثاني : إلقاء حركة الهمزة على اللام وحذفها وحذف ألف اللام في هذين الوجهين ; لسكونها وسكون اللام في الأصل ; لأن حركة اللام هاهنا عارضة .
والثالث : كذلك إلا أنهم حذفوا ألف اللام لما تحركت اللام فظهرت الواو في قالوا . والرابع : إثبات الواو في اللفظ وقطع ألف اللام وهو بعيد .
( بالحق ) : يجوز أن يكون مفعولا به ; والتقدير أجأت الحق ; أو ذكرت الحق ، ويجوز أن يكون حالا من التاء تقديره : جئت ومعك الحق .