قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=28908الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ( 3 ) ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3الذين يؤمنون ) هو في موضع جر صفة للمتقين ، ويجوز أن يكون في موضع نصب ، إما على موضع للمتقين ، أو بإضمار أعني .
ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمارهم ، أو مبتدأ وخبره (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أولئك على هدى ) . وأصل (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3يؤمنون ) يؤأمنون ; لأنه من الأمن ، والماضي منه آمن ، فالألف بدل من همزة ساكنة قلبت ألفا كراهية اجتماع همزتين ، ولم يحققوا الثانية في موضع ما لسكونها ، وانفتاح ما قبلها . ونظيره في الأسماء : آدم ، آخر .
فأما في المستقبل فلا تجمع بين الهمزتين اللتين هما الأصل ; لأن ذلك يفضي بك في المتكلم إلى ثلاث همزات : الأولى همزة المضارعة ، والثانية همزة أفعل التي في آمن ،
[ ص: 22 ] والثالثة الهمزة التي هي فاء الكلمة ، فحذفوا الوسطى كما حذفوها في أكرم ; لئلا تجتمع الهمزات ، وكان حذف الوسطى أولى من حذف الأولى ; لأنها حرف معنى ، ومن حذف الثالثة : لأن الثالثة فاء الكلمة : والوسطى زائدة .
وإذا أردت تبيين ذلك فقل : إن آمن أربعة أحرف ، فهو مثل دحرج ، فلو قلت : أدحرج لأتيت بجميع ما كان في الماضي وزدت عليه همزة المتكلم ، فمثله يجب أن يكون في أومن ، فالباقي من الهمزات : الأولى ، والواو التي بعدها مبدلة من الهمزة الساكنة التي هي فاء الكلمة ، والهمزة الوسطى هي المحذوفة ، وإنما قلبت الهمزة الساكنة واوا لسكونها وانضمام ما قبلها ، فإذا قلت " نؤمن ، وتؤمن ، ويؤمن ، جاز لك فيه وجهان : أحدهما : الهمز على الأصل .
والثاني : قلب الهمزة واوا تخفيفا ، وحذفت الهمزة الوسطى حملا على أومن ، والأصل يؤأمن ، فأما أومن فلا يجوز همز الثانية بحال لما ذكرنا .
و ( الغيب ) هنا : مصدر بمعنى الفاعل أي يؤمنون بالغائب عنهم .
ويجوز أن يكون بمعنى المفعول ; أي المغيب كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=11هذا خلق الله ) [ لقمان : 11 ] ; أي مخلوقه . ودرهم ضرب الأمير أي مضروبه .
قوله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3ويقيمون ) أصله يؤقومون ، وماضيه أقام ، وعينه واو ; لقولك فيه يقوم ، فحذفت الهمزة كما حذفت في أقيم لاجتماع الهمزتين ، وكذلك جميع ما فيه حرف مضارعة لئلا يختلف باب أفعال المضارعة . وأما الواو فعمل فيها ما عمل في نستعين ، وقد ذكرناه . وألف الصلاة منقلبة عن واو لقولك صلوات . والصلاة مصدر صلى . ويراد بها هاهنا الأفعال والأقوال المخصوصة ، فلذلك جرت مجرى الأسماء غير المصادر .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3ومما رزقناهم ) : من متعلقة بـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3ينفقون ) ، والتقدير : وينفقون مما رزقناهم ; فيكون الفعل قبل المفعول كما كان قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3يؤمنون ) و ( يقيمون ) كذلك ، وإنما أخر الفعل عن المفعول لتتوافق رءوس الآي . وما بمعنى الذي ، ورزقنا يتعدى إلى مفعولين ، وقد حذف الثاني منهما هنا ، وهو العائد على ما ، تقديره رزقناهموه ، أو رزقناهم إياه .
[ ص: 23 ] ويجوز أن تكون ما نكرة موصوفة بمعنى شيء ; أي ومن مال رزقناهم ; فيكون رزقناهم في موضع جر صفة لما . وعلى القول الأول لا يكون له موضع ; لأن الصلة لا موضع لها ولا يجوز أن تكون ما مصدرية ; لأن الفعل لا ينفق ومن للتبعيض ويجوز أن تكون لابتداء غاية الإنفاق .
وأصل (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3ينفقون ) يؤنفقون ; لأن ماضيه أنفق ، وقد تقدم نظيره .
قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=28908الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ( 3 ) ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ ) هُوَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ صِفَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ، إِمَّا عَلَى مَوْضِعِ لِلْمُتَّقِينَ ، أَوْ بِإِضْمَارِ أَعْنِي .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى إِضْمَارِهِمْ ، أَوْ مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أُولَئِكَ عَلَى هُدًى ) . وَأَصْلُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3يُؤْمِنُونَ ) يُؤَأْمِنُونَ ; لِأَنَّهُ مِنَ الْأَمْنِ ، وَالْمَاضِي مِنْهُ آمَنَ ، فَالْأَلِفُ بَدَلٌ مِنْ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ قُلِبَتْ أَلِفًا كَرَاهِيَةَ اجْتِمَاعِ هَمْزَتَيْنِ ، وَلَمْ يُحَقِّقُوا الثَّانِيَةَ فِي مَوْضِعٍ مَا لِسُكُونِهَا ، وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا . وَنَظِيرُهُ فِي الْأَسْمَاءِ : آدَمُ ، آخَرُ .
فَأَمَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا تَجْمَعْ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ اللَّتَيْنِ هُمَا الْأَصْلُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي بِكَ فِي الْمُتَكَلِّمِ إِلَى ثَلَاثِ هَمَزَاتٍ : الْأُولَى هَمْزَةُ الْمُضَارَعَةِ ، وَالثَّانِيَةُ هَمْزَةُ أَفْعَلَ الَّتِي فِي آمَنَ ،
[ ص: 22 ] وَالثَّالِثَةُ الْهَمْزَةُ الَّتِي هِيَ فَاءُ الْكَلِمَةِ ، فَحَذَفُوا الْوُسْطَى كَمَا حَذَفُوهَا فِي أُكْرَمُ ; لِئَلَّا تَجْتَمِعَ الْهَمَزَاتُ ، وَكَانَ حَذْفُ الْوُسْطَى أَوْلَى مِنْ حَذْفِ الْأُولَى ; لِأَنَّهَا حَرْفُ مَعْنًى ، وَمَنْ حَذَفَ الثَّالِثَةَ : لِأَنَّ الثَّالِثَةَ فَاءُ الْكَلِمَةِ : وَالْوُسْطَى زَائِدَةٌ .
وَإِذَا أَرَدْتَ تَبْيِينَ ذَلِكَ فَقُلْ : إِنَّ آمَنَ أَرْبَعَةُ أَحْرُفٍ ، فَهُوَ مِثْلُ دَحْرَجَ ، فَلَوْ قُلْتَ : أُدَحْرِجُ لَأَتَيْتَ بِجَمِيعِ مَا كَانَ فِي الْمَاضِي وَزِدْتَ عَلَيْهِ هَمْزَةَ الْمُتَكَلِّمِ ، فَمِثْلُهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي أُومِنُ ، فَالْبَاقِي مِنَ الْهَمَزَاتِ : الْأُولَى ، وَالْوَاوُ الَّتِي بَعْدَهَا مُبْدَلَةٌ مِنَ الْهَمْزَةِ السَّاكِنَةِ الَّتِي هِيَ فَاءُ الْكَلِمَةِ ، وَالْهَمْزَةُ الْوُسْطَى هِيَ الْمَحْذُوفَةُ ، وَإِنَّمَا قُلِبَتِ الْهَمْزَةُ السَّاكِنَةُ وَاوًا لِسُكُونِهَا وَانْضِمَامِ مَا قَبْلَهَا ، فَإِذَا قُلْتَ " نُؤْمِنُ ، وَتُؤْمِنُ ، وَيُؤْمِنُ ، جَازَ لَكَ فِيهِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : الْهَمْزُ عَلَى الْأَصْلِ .
وَالثَّانِي : قَلْبُ الْهَمْزَةِ وَاوًا تَخْفِيفًا ، وَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ الْوُسْطَى حَمْلًا عَلَى أُومِنُ ، وَالْأَصْلُ يُؤَأْمِنُ ، فَأَمَّا أُومِنُ فَلَا يَجُوزُ هَمْزُ الثَّانِيَةِ بِحَالٍ لِمَا ذَكَرْنَا .
وَ ( الْغَيْبِ ) هُنَا : مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ أَيْ يُؤْمِنُونَ بِالْغَائِبِ عَنْهُمْ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ ; أَيِ الْمَغِيبِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=11هَذَا خَلْقُ اللَّهِ ) [ لُقْمَانَ : 11 ] ; أَيْ مَخْلُوقُهُ . وَدِرْهَمٌ ضَرْبُ الْأَمِيرِ أَيْ مَضْرُوبُهُ .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3وَيُقِيمُونَ ) أَصْلُهُ يُؤَقْوِمُونَ ، وَمَاضِيهِ أَقَامَ ، وَعَيْنُهُ وَاوٌ ; لِقَوْلِكَ فِيهِ يَقُومُ ، فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ كَمَا حُذِفَتْ فِي أُقِيمَ لِاجْتِمَاعِ الْهَمْزَتَيْنِ ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا فِيهِ حَرْفُ مُضَارَعَةٍ لِئَلَّا يَخْتَلِفَ بَابُ أَفْعَالِ الْمُضَارَعَةِ . وَأَمَّا الْوَاوُ فَعُمِلَ فِيهَا مَا عُمِلَ فِي نَسْتَعِينُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ . وَأَلِفُ الصَّلَاةِ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ لِقَوْلِكَ صَلَوَاتٌ . وَالصَّلَاةُ مَصْدَرُ صَلَّى . وَيُرَادُ بِهَا هَاهُنَا الْأَفْعَالُ وَالْأَقْوَالُ الْمَخْصُوصَةُ ، فَلِذَلِكَ جَرَتْ مَجْرَى الْأَسْمَاءِ غَيْرِ الْمَصَادِرِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ) : مِنْ مُتَعَلِّقَةٌ بِـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3يُنْفِقُونَ ) ، وَالتَّقْدِيرُ : وَيُنْفِقُونَ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ; فَيَكُونُ الْفِعْلُ قَبْلَ الْمَفْعُولِ كَمَا كَانَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3يُؤْمِنُونَ ) وَ ( يُقِيمُونَ ) كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا أُخِّرَ الْفِعْلُ عَنِ الْمَفْعُولِ لِتَتَوَافَقَ رُءُوسُ الْآيِ . وَمَا بِمَعْنَى الَّذِي ، وَرَزَقْنَا يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ ، وَقَدْ حُذِفَ الثَّانِي مِنْهُمَا هُنَا ، وَهُوَ الْعَائِدُ عَلَى مَا ، تَقْدِيرُهُ رَزَقْنَاهُمُوهُ ، أَوْ رَزَقْنَاهُمْ إِيَّاهُ .
[ ص: 23 ] وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ بِمَعْنَى شَيْءٍ ; أَيْ وَمِنْ مَالٍ رَزَقْنَاهُمْ ; فَيَكُونُ رَزَقْنَاهُمْ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ صِفَةٌ لِمَا . وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ لَهُ مَوْضِعٌ ; لِأَنَّ الصِّلَةَ لَا مَوْضِعَ لَهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةٌ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يُنْفِقُ وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِابْتِدَاءِ غَايَةِ الْإِنْفَاقِ .
وَأَصْلُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3يُنْفِقُونَ ) يُؤَنْفِقُونَ ; لِأَنَّ مَاضِيَهُ أَنْفَقَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ .