فصل
قد ذكرت في غير هذا الموضع على ثلاثة أقوال . أن الناس اختلفوا في مسمى الإنسان : هل هو الجسد وهو الجملة المشاهدة ، كما يقوله أكثر أهل الكلام من أصحابنا وغيرهم ، أو هو اسم لمعنى وراء هذه الجملة وهو الروح ، كما يقوله كثير من أهل الفلسفة وطائفة من أهل الكلام ، أو هو اسم للمجموع ؟
والثالث هو الصواب الذي دل عليه الكتاب والسنة ، وعليه عامة أهل السنة وجمهور الناس ، وإن كان الاسم عند التقييد يتناول الجسد فقط ، أو الروح فقط ، أو أحدهما بشرط الآخر ، فيكون الآخر شرطا تارة ، كما كان شطرا في الأصل .
وكذلك اختلفوا في وصفه الظاهر ، وهو النطق المذكور في قوله : فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون [الذاريات :23] ، هل هو اسم للحروف والأصوات فقط ؟ كما هو قول المعتزلة وطائفة من أهل السنة من أصحابنا وغيرهم ، أو هو اسم لمعنى قائم بالنفس وراء الحروف والأصوات ؟ كما هو قول الكلابية والأشعرية وبعض أهل الحديث والسنة ، أو هو اسم لمجموع اللفظ والمعنى ؟ على ثلاثة أقوال .
والثالث هو الصواب الذي عليه الأئمة ، وهو منصوص [ ص: 82 ] وغيره ، حيث قد نص على أن كل واحد من المعاني والحروف داخلة في مسمى الكلام ، وهو قول جمهور الخلق ، وهو مدلول الكتاب والسنة ، وإن كان الكلام يقع [على اللفظ] تارة وعلى المعنى تارة ، إما مجردا وإما بشرط الآخر ، وهذا في الحروف كثير ، فإن إضافة الكلام والمنطق والقول إلى اللسان ووضع ذلك على الحروف والأصوات كثير . أحمد
وأما إضافة ذلك إلى النفس والقلب ووضع ذلك على المعاني فمثل قول النبي صلى الله عليه وسلم : به » ، ومثل قول «إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل : ليحذر أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر ، وقوله : إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم . فأضاف اللعنة إلى القلوب ، واللعنة من الدعاء الذي هو أحد نوعي الكلام . ومثل قول أبي الدرداء : ما زال أهل العلم يعودون بالتذكر على التفكر ، وبالتفكر على التذكر ، ويناطقون القلوب حتى نطقت ، فإذا لها أسماع وأبصار ، فأورثت العلم ونطقت بالحكمة . ومثل قول الحسن البصري : التوحيد قول القلب ، والتوكل عمل القلب . [ ص: 83 ] الجنيد