فصل
، كما قيل أثبت أئمة من أهل السنة «الحد » : بماذا نعرف ربنا ؟ قال : بأنه فوق سماواته على عرشه ، بائن من خلقه ، قيل له : بحد ؟ قال : بحد . لعبد الله بن المبارك
وكذلك في أشهر الروايتين عنه ، وكثير من أصحابه أحمد كالقاضي وغيرهما ، وابن الزاغوني ، وإسحاق بن راهويه في رده على وعثمان بن سعيد الدارمي وحكاه عن أهل السنة ، المريسي وشيخ الإسلام الهروي ، وخلق كثيرين .
وأنكر ذلك آخرون من المتكلمين ، كأبي المعالي الجويني وطوائف من المعتزلة والأشعرية ، وبعض الحنبلية .
وفصل الخطاب : أن «الحد » له عدة معان ترجع إلى أصلين : [ ص: 71 ]
منها ما هو متفق عليه بين المسلمين ، ومنها ما هو متفق عليه بين أهل السنة ، ومنها ما هو متنازع فيه ؛ فإن «الحد » يكون لحقيقة الشيء النوعية ، وهو حد الماهية . ويكون لعينه الذاتية ، وهو حد لوجوده .
فالأول هو الحد الذي يتكلم فيه المتكلمون من المنطقيين وغيرهم .
والثاني كالحد الذي ينعته الشروطيون في حدود العقار وفي حلى الأشخاص .
فإذا انحصر نوعه في شخصه كالشمس مثلا كان له حد بالاعتبارين ، وهو بالاعتبار الأول كلي ، لا يمنع نفس تصور معناه من وقوع الشركة فيه . وهو بالاعتبار الثاني عيني ، يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه .
وإن قيل : إن وجود كل شيء عين ماهيته ، أو قيل بذلك في حق الله تعالى فقط ، كان الحد الذي هو حقيقته العينية الوجودية هو الحد الذي هو الماهية النوعية إذا عني به حقيقة المحدود . وإن عني بالحد القول الدال على ماهية الشيء لم يكن لذلك وجود إلا في الذهن لا في الخارج . والله أعلم .
فأما الأول فقد يعنى بالحد حقيقة الشيء ، وقد يعنى به القول الدال على ماهيته . [ ص: 72 ]
فأما الحد بمعنى حقيقة الشيء التي هو بها يتميز عن غيره ، فلا ريب بين المسلمين أن الله له حقيقة وذات ؛ فذلك حده الذي لا يعلمه غيره ، كما جاء في الأثر : «يا من لا يعلم ما هو إلا [هو] ، ولا يبلغ قدرته غيره » .
وهل يقال : له ماهية لا يعلمها غيره ، ولا تجري ماهيته في مقال ؟ أو يقال : لا ماهية له ؟ على قولين لأصحابنا وغيرهم . والأول قول أكثرهم .