وكذلك المؤجر عليه عمارة ما شعث من العين المؤجرة، وما يحتاج إليه الآدمي والبهيمة من النفقة هو على المؤجر، من تمام التسليم المستحق بالعقد. فعلم أنه لم يوجد كمال القبض، وإنما وجد التخلية التي لا يتمكن معها من كمال الاستيفاء. [ ص: 234 ] والإنفاق على العين المؤجرة
وإنما جاز فيها التصرف بالبيع وغيره، لأن البائع قد فعل ما يمكنه من الإقباض، وكذلك في الإجارة قد فعل المؤجر غاية ما يمكنه، وانتقلت بهذا إلى ضمان المستأجر من بعض الوجوه، وهو أنه إذا تلفت المنفعة تحت يده تلفت من ضمانه، فلا يكون إذا ربح فيها قد ربح فيما لم يضمن، فالاعتبار في الضمان بتمكنه، إذا تمكن من استيفائها فلم يستوفها كانت من ضمانه، والمستأجر بعد تسليم العين قد تمكن من استيفائها شيئا فشيئا، كما كان يتمكن المؤجر، فلو تركها تلفت من ضمانه، فإذا باعها باعها بعد قبض مثلها. وإن كان القبض التام الذي يوجب إذا تلفت بغير اختياره أن يكون من ضمان المؤجر لم يوجد.
وهكذا الثمرة بعد بدو صلاحها إذا خلي بينه وبينها كان متمكنا من قبضها والانتفاع بها إن شاء، ولو قطعها لضمنها بالمسمى، لم يضمنها ضمان الغصب.
ثم يقال: أما كونها مضمونة على البائع فهو ثابت بالنص، وأما جواز التصرف فيها ففيه نزاع، وحينئذ فإن أمكن الجمع بينهما، وإلا منع الحكم، فإن ما ثبت بالنص لا يجوز دفعه بغير نص يعارضه، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير وجه أنه قال: . وثبت عنه أنه قال: "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه" " . فيجب العمل بالحديثين، فإن كان "إن بعت من أخيك ثمرة، فأصابتها جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا، بم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق؟ لم يجز للمشتري بيع الثمرة; وإن أريد به أصل القبض فهو موجود هنا، والسنة دلت على أن ضمان المشتري وجواز تصرفه لا يتلازمان، بل قد يكون مضمونا عليه من بعض الوجوه ما لا يجوز له بيعه، وقد يجوز أن يبيع ما يكون مضمونا على البائع من بعض الوجوه. وهذا ظاهر مذهب القبض [ ص: 235 ] المبيح للتصرف هو كمال القبض الذي يرفع ضمان البائع وهو الذي ذكره أحمد، وغيره، وإن كان من أصحابه من يقول بتلازمهما، كمذهب الخرقي أبي حنيفة وذلك أنه قد ثبت في الصحيحين عن والشافعي. أنه قال: ابن عمر "مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المبتاع". فإذا باعه حيوانا، وتمكن المشتري من قبضه ولم يقبضه، كان من ضمان المشتري. وهذا مذهب مالك في المشهور عنه. وأحمد