وهذا باب واسع ، وهو متفق عليه بين المسلمين . فافترق الناس فيما جاء به الرسول ثلاث فرق :
فرقة امتنعوا من اتباعه ، كاليهود والنصارى والمشركين ونحوهم ، فهؤلاء كفار تجب معاملتهم بما أمر الله به ورسوله .
[ ص: 212 ]
وقسم آمنوا بالله ورسوله باطنا وظاهرا ، واتبعوا ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
nindex.php?page=treesubj&link=19231وقسم أظهروا الإيمان بألسنتهم ، ولم يدخل الإيمان في قلوبهم . فهؤلاء المنافقون الذين قال الله فيهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون إلى آخر السورة . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=9يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=10في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون إلى تمام ثلاث عشرة آية .
وأنزل الله في صفاتهم سورة براءة ، وذكرهم في غير موضع من القرآن ، وأمر رسوله بجهادهم كما أمره بجهاد الكفار . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=73يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير .
وأما الكفار فيجاهدون حتى يؤمنوا أو يؤدوا الجزية إن كانوا من أهلها ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
[ ص: 213 ]
وأما المنافقون فجهادهم بإقامة الحدود عليهم ، هكذا ذكره السلف ، لأنهم يظهرون الإسلام بألسنتهم ، فإذا خرجوا عن موجب الدين أقيم الحد عليهم ، وهم قسمان :
قوم نافقوا في أصل الدين ، وأظهروا الإيمان بالله ورسوله ، وليس ذلك في قلوبهم ، بل هم غافلون عما جاء به الرسول ومعرضون عنه ، إلى الاشتغال بدين غيره ، والاشتغال بالدنيا عن نفس إيمان القلوب ، وأضمروا تكذيب الرسول أو بغضه أو معاداته أو معاداة ما جاء به . فمتى لم يكن الإيمان بالله ورسوله في قلوبهم كانوا منافقين في أصل الدين ، سواء كانوا معتقدين لضد ما جاء به الرسول أو خالين عن تصديقه وتكذيبه ، كما أن كل من لم يظهر الإسلام فهو ظاهر الكفر ، سواء تكلم بضده أو لم يتكلم . ولا ينجي العباد من عذاب الله تعالى إلا إيمان يكون في قلوبهم ، حتى إذا سئل أحدهم في القبر فقيل له : من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ قال : ربي الله ، والإسلام ديني ،
ومحمد نبيي ، فيفتح له باب إلى الجنة ، وينام نومة العروس الذي قد دخل بامرأته ، لا يوقظه إلا أحب أهله إليه .
وأما المنافق فيقول : هاه هاه ، لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئا فقلت مثلهم ، فيضرب بمرزبة من حديد ، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان ، ولو سمعها الإنسان لصعق . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=145إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=146 [ ص: 214 ] إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما .
والقسم الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=19244_19241_19240المنافقون في بعض أمور الدين ، مثل الذي يكثر الكذب أو نقض العهد أو خلاف الوعد ، أو يفجر في الخصومة .
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650033 "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر" .
أخرجاه في الصحيحين .
وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ . فَافْتَرَقَ النَّاسُ فِيمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ثَلَاثَ فِرَقٍ :
فِرْقَةٌ امْتَنَعُوا مِنِ اتِّبَاعِهِ ، كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ وَنَحْوِهِمْ ، فَهَؤُلَاءِ كُفَّارٌ تَجِبُ مُعَامَلَتُهُمْ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ .
[ ص: 212 ]
وَقِسْمٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، وَاتَّبَعُوا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
nindex.php?page=treesubj&link=19231وَقِسْمٌ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ . فَهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=9يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=10فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ إِلَى تَمَامِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ آيَةً .
وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي صِفَاتِهِمْ سُورَةَ بَرَاءَةَ ، وَذَكَرَهُمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَأَمَرَ رَسُولَهُ بِجِهَادِهِمْ كَمَا أَمَرَهُ بِجِهَادِ الْكُفَّارِ . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=73يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ .
وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَيُجَاهَدُونَ حَتَّى يُؤْمِنُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ إِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ .
[ ص: 213 ]
وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ فَجِهَادُهُمْ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ ، هَكَذَا ذَكَرَهُ السَّلَفُ ، لِأَنَّهُمْ يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ، فَإِذَا خَرَجُوا عَنْ مُوجِبِ الدِّينِ أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ ، وَهُمْ قِسْمَانِ :
قَوْمٌ نَافَقُوا فِي أَصْلِ الدِّينِ ، وَأَظْهَرُوا الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ ، بَلْ هُمْ غَافِلُونَ عَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَمُعْرِضُونَ عَنْهُ ، إِلَى الِاشْتِغَالِ بِدِينِ غَيْرِهِ ، وَالِاشْتِغَالِ بِالدُّنْيَا عَنْ نَفْسِ إِيمَانِ الْقُلُوبِ ، وَأَضْمَرُوا تَكْذِيبَ الرَّسُولِ أَوْ بُغْضَهُ أَوْ مُعَادَاتَهُ أَوْ مُعَادَاةَ مَا جَاءَ بِهِ . فَمَتَى لَمْ يَكُنِ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي قُلُوبِهِمْ كَانُوا مُنَافِقِينَ فِي أَصْلِ الدِّينِ ، سَوَاءٌ كَانُوا مُعْتَقِدِينَ لِضِدِّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ أَوْ خَالِينَ عَنْ تَصْدِيقِهِ وَتَكْذِيبِهِ ، كَمَا أَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يُظْهِرِ الْإِسْلَامَ فَهُوَ ظَاهِرُ الْكُفْرِ ، سَوَاءٌ تَكَلَّمَ بِضِدِّهِ أَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ . وَلَا يُنْجِي الْعِبَادَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا إِيمَانٌ يَكُونُ فِي قُلُوبِهِمْ ، حَتَّى إِذَا سُئِلَ أَحَدُهُمْ فِي الْقَبْرِ فَقِيلَ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ قَالَ : رَبِّيَ اللَّهُ ، وَالْإِسْلَامُ دِينِي ،
وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي ، فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَيَنَامُ نَوْمَةَ الْعَرُوسِ الَّذِي قَدْ دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ ، لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ .
وَأَمَّا الْمُنَافِقُ فَيَقُولُ : هَاهْ هَاهْ ، لَا أَدْرِي ، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُ مِثْلَهُمْ ، فَيُضْرَبُ بِمِرْزَبَّةٍ مِنْ حَدِيدٍ ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْإِنْسَانَ ، وَلَوْ سَمِعَهَا الْإِنْسَانُ لَصَعِقَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=145إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=146 [ ص: 214 ] إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا .
وَالْقِسْمُ الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=19244_19241_19240الْمُنَافِقُونَ فِي بَعْضِ أُمُورِ الدِّينِ ، مِثْلَ الَّذِي يُكْثِرُ الْكَذِبَ أَوْ نَقْضَ الْعَهْدِ أَوْ خِلَافَ الْوَعْدِ ، أَوْ يَفْجُرُ فِي الْخُصُومَةِ .
قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650033 "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ" .
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ .