فصل
nindex.php?page=treesubj&link=29494المعاصي توجب القطيعة بين العبد والرب
ومن أعظم عقوباتها : أنها توجب القطيعة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى ، وإذا وقعت القطيعة انقطعت عنه أسباب الخير واتصلت به أسباب الشر ، فأي فلاح ، وأي رجاء ، وأي عيش لمن انقطعت عنه أسباب الخير ، وقطع ما بينه وبين وليه ومولاه الذي لا غنى عنه طرفة عين ، ولا بدل له منه ، ولا عوض له عنه ، واتصلت به أسباب الشر ، ووصل ما بينه
[ ص: 83 ] وبين أعدى عدو له : فتولاه عدوه وتخلى عنه وليه ؟ فلا تعلم نفس ما في هذا الانقطاع والاتصال من أنواع الآلام وأنواع العذاب .
قال بعض السلف : رأيت العبد ملقى بين الله سبحانه وبين الشيطان ، فإن أعرض الله عنه تولاه الشيطان ، وإن تولاه الله لم يقدر عليه الشيطان ، وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا [ سورة الكهف : 50 ] .
يقول سبحانه لعباده : أنا أكرمت أباكم ، ورفعت قدره ، وفضلته على غيره ، فأمرت ملائكتي كلهم أن يسجدوا له ، تكريما له وتشريفا ، فأطاعوني ، وأبى عدوي وعدوه ، فعصى أمري ، وخرج عن طاعتي ، فكيف يحسن بكم بعد هذا أن تتخذوه وذريته أولياء من دوني ، فتطيعونه في معصيتي ، وتوالونه في خلاف مرضاتي وهم أعدى عدو لكم ؟ فواليتم عدوي وقد أمرتكم بمعاداته ، ومن والى أعداء الملك ، كان هو وأعداؤه عنده سواء ، فإن المحبة والطاعة لا تتم إلا بمعاداة أعداء المطاع وموالاة أوليائه ، وأما أن توالي أعداء الملك ثم تدعي أنك موال له ، فهذا محال .
هذا لو لم يكن عدو الملك عدوا لكم ، فكيف إذا كان عدوكم على الحقيقة ، والعداوة التي بينكم وبينه أعظم من العداوة التي بين الشاة وبين الذئب ؟ فكيف يليق بالعاقل أن يوالي عدوه عدو وليه ومولاه الذي لا مولى له سواه ، ونبه سبحانه على قبح هذه الموالاة بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50وهم لكم عدو [ سورة الكهف : 50 ] ، كما نبه على قبحها بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50ففسق عن أمر ربه [ سورة الكهف : 50 ] ، فتبين أن عداوته لربه وعداوته لنا ، كل منهما سبب يدعو إلى معاداته ، فما هذه الموالاة ؟ وما هذا الاستبدال ؟ بئس للظالمين بدلا .
ويشبه أن يكون تحت هذا الخطاب نوع من العتاب لطيف عجيب وهو أني عاديت إبليس إذ لم يسجد لأبيكم
آدم مع ملائكتي فكانت معاداته لأجلكم ، ثم كان عاقبة هذه المعاداة أن عقدتم بينكم وبينه عقد المصالحة
فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=29494الْمَعَاصِي تُوجِبُ الْقَطِيعَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالرَّبِّ
وَمِنْ أَعْظَمِ عُقُوبَاتِهَا : أَنَّهَا تُوجِبُ الْقَطِيعَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَإِذَا وَقَعَتِ الْقَطِيعَةُ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَسْبَابُ الْخَيْرِ وَاتَّصَلَتْ بِهِ أَسْبَابُ الشَّرِّ ، فَأَيُّ فَلَاحٍ ، وَأَيُّ رَجَاءٍ ، وَأَيُّ عَيْشٍ لِمَنِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَسْبَابُ الْخَيْرِ ، وَقَطَعَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلِيِّهِ وَمَوْلَاهُ الَّذِي لَا غِنَى عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وَلَا بَدَلَ لَهُ مِنْهُ ، وَلَا عِوَضَ لَهُ عَنْهُ ، وَاتَّصَلَتْ بِهِ أَسْبَابُ الشَّرِّ ، وَوَصَلَ مَا بَيْنَهُ
[ ص: 83 ] وَبَيْنَ أَعْدَى عَدُوٍّ لَهُ : فَتَوَلَّاهُ عَدُوُّهُ وَتَخَلَّى عَنْهُ وَلِيُّهُ ؟ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا فِي هَذَا الِانْقِطَاعِ وَالِاتِّصَالِ مِنْ أَنْوَاعِ الْآلَامِ وَأَنْوَاعِ الْعَذَابِ .
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : رَأَيْتُ الْعَبْدَ مُلْقًى بَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَبَيْنَ الشَّيْطَانِ ، فَإِنْ أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ تَوَلَّاهُ الشَّيْطَانُ ، وَإِنْ تَوَلَّاهُ اللَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [ سُورَةُ الْكَهْفِ : 50 ] .
يَقُولُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ : أَنَا أَكْرَمْتُ أَبَاكُمْ ، وَرَفَعْتُ قَدْرَهُ ، وَفَضَّلْتُهُ عَلَى غَيْرِهِ ، فَأَمَرْتُ مَلَائِكَتِي كُلَّهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا لَهُ ، تَكْرِيمًا لَهُ وَتَشْرِيفًا ، فَأَطَاعُونِي ، وَأَبَى عَدُوِّي وَعَدُوُّهُ ، فَعَصَى أَمْرِي ، وَخَرَجَ عَنْ طَاعَتِي ، فَكَيْفَ يَحْسُنُ بِكُمْ بَعْدَ هَذَا أَنْ تَتَّخِذُوهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي ، فَتُطِيعُونَهُ فِي مَعْصِيَتِي ، وَتُوَالُونَهُ فِي خِلَافِ مَرْضَاتِي وَهُمْ أَعْدَى عَدُوٍّ لَكُمْ ؟ فَوَالَيْتُمْ عَدُوِّي وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِمُعَادَاتِهِ ، وَمَنْ وَالَى أَعْدَاءَ الْمَلِكِ ، كَانَ هُوَ وَأَعْدَاؤُهُ عِنْدَهُ سَوَاءً ، فَإِنَّ الْمَحَبَّةَ وَالطَّاعَةَ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِمُعَادَاةِ أَعْدَاءِ الْمُطَاعِ وَمُوَالَاةِ أَوْلِيَائِهِ ، وَأَمَّا أَنْ تُوَالِيَ أَعْدَاءَ الْمَلِكِ ثُمَّ تَدَّعِي أَنَّكَ مُوَالٍ لَهُ ، فَهَذَا مُحَالٌ .
هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَدُوُّ الْمَلِكِ عَدُوًّا لَكُمْ ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ عَدُوَّكُمْ عَلَى الْحَقِيقَةِ ، وَالْعَدَاوَةُ الَّتِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ أَعْظَمُ مِنَ الْعَدَاوَةِ الَّتِي بَيْنَ الشَّاةِ وَبَيْنَ الذِّئْبِ ؟ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ أَنْ يُوَالِيَ عَدُوَّهُ عَدُوَّ وَلِيِّهِ وَمَوْلَاهُ الَّذِي لَا مَوْلَى لَهُ سِوَاهُ ، وَنَبَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى قُبْحِ هَذِهِ الْمُوَالَاةِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ [ سُورَةُ الْكَهْفِ : 50 ] ، كَمَا نَبَّهَ عَلَى قُبْحِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=50فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [ سُورَةُ الْكَهْفِ : 50 ] ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ عَدَاوَتَهُ لِرَبِّهِ وَعَدَاوَتَهُ لَنَا ، كُلٌّ مِنْهُمَا سَبَبٌ يَدْعُو إِلَى مُعَادَاتِهِ ، فَمَا هَذِهِ الْمُوَالَاةُ ؟ وَمَا هَذَا الِاسْتِبْدَالُ ؟ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا .
وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ تَحْتَ هَذَا الْخِطَابِ نَوْعٌ مِنَ الْعِتَابِ لَطِيفٌ عَجِيبٌ وَهُوَ أَنِّي عَادَيْتُ إِبْلِيسَ إِذْ لَمْ يَسْجُدْ لِأَبِيكُمْ
آدَمَ مَعَ مَلَائِكَتِي فَكَانَتْ مُعَادَاتُهُ لِأَجْلِكُمْ ، ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةُ هَذِهِ الْمُعَادَاةِ أَنْ عَقَدْتُمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ عَقْدَ الْمُصَالَحَةِ