فصل
المعاصي تلقي الرعب والخوف في القلوب
ومن عقوباتها
nindex.php?page=treesubj&link=29494ما يلقيه الله سبحانه وتعالى من الرعب والخوف في قلب العاصي ، فلا تراه إلا خائفا مرعوبا .
فإن الطاعة حصن الله الأعظم ، من دخله كان من الآمنين من عقوبات الدنيا والآخرة ، ومن خرج عنه أحاطت به المخاوف من كل جانب ، فمن أطاع الله انقلبت المخاوف في حقه أمانا ، ومن عصاه انقلبت مآمنه مخاوف ، فلا تجد العاصي إلا وقلبه كأنه بين جناحي طائر ، إن حركت الريح الباب قال : جاء الطلب ، وإن سمع وقع قدم خاف أن يكون نذيرا بالعطب ، يحسب أن كل صيحة عليه ، وكل مكروه قاصد إليه ، فمن خاف الله آمنه من كل شيء ، ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء :
بذا قضى الله بين الخلق مذ خلقوا أن المخاوف والأجرام في قرن
المعاصي توقع في الوحشة
ومن عقوباتها أنها
nindex.php?page=treesubj&link=29494_29556توقع الوحشة العظيمة في القلب فيجد المذنب نفسه مستوحشا ، قد وقعت الوحشة بينه وبين ربه ، وبين الخلق وبين نفسه ، وكلما كثرت الذنوب اشتدت الوحشة ، وأمر العيش عيش المستوحشين الخائفين ، وأطيب العيش عيش المستأنسين ، فلو نظر العاقل ووازن لذة المعصية وما توقعه من الخوف والوحشة ، لعلم سوء حاله ، وعظيم غبنه ، إذ باع أنس الطاعة وأمنها وحلاوتها بوحشة المعصية وما توجبه من الخوف والضرر الداعي له .
كما قيل :
فإن كنت قد أوحشتك الذنوب فدعها إذا شئت واستأنس
[ ص: 76 ] وسر المسألة : أن
nindex.php?page=treesubj&link=30503_29674الطاعة توجب القرب من الرب سبحانه ، فكلما اشتد القرب قوي الأنس ، والمعصية توجب البعد من الرب ، وكلما زاد البعد قويت الوحشة .
ولهذا يجد العبد وحشة بينه وبين عدوه للبعد الذي بينهما ، وإن كان ملابسا له ، قريبا منه ، ويجد أنسا قويا بينه وبين من يحب ، وإن كان بعيدا عنه .
والوحشة سببها الحجاب ، وكلما غلظ الحجاب زادت الوحشة ، فالغفلة توجب الوحشة ، وأشد منها وحشة المعصية ، وأشد منها وحشة الشرك والكفر ، ولا تجد أحدا ملابسا شيئا من ذلك إلا ويعلوه من الوحشة بحسب ما لابسه منه ، فتعلو الوحشة وجهه وقلبه فيستوحش ويستوحش منه .
فَصْلٌ
الْمَعَاصِي تُلْقِي الرُّعْبَ وَالْخَوْفَ فِي الْقُلُوبِ
وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا
nindex.php?page=treesubj&link=29494مَا يُلْقِيهِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنَ الرُّعْبِ وَالْخَوْفِ فِي قَلْبِ الْعَاصِي ، فَلَا تَرَاهُ إِلَّا خَائِفًا مَرْعُوبًا .
فَإِنَّ الطَّاعَةَ حِصْنُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ ، مَنْ دَخَلَهُ كَانَ مِنَ الْآمِنِينَ مِنْ عُقُوبَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَمَنْ خَرَجَ عَنْهُ أَحَاطَتْ بِهِ الْمَخَاوِفُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ انْقَلَبَتِ الْمَخَاوِفُ فِي حَقِّهِ أَمَانًا ، وَمَنْ عَصَاهُ انْقَلَبَتْ مَآمِنُهُ مَخَاوِفَ ، فَلَا تَجِدُ الْعَاصِيَ إِلَّا وَقَلْبُهُ كَأَنَّهُ بَيْنَ جَنَاحَيْ طَائِرٍ ، إِنْ حَرَّكَتِ الرِّيحُ الْبَابَ قَالَ : جَاءَ الطَّلَبُ ، وَإِنْ سَمِعَ وَقْعَ قَدَمٍ خَافَ أَنْ يَكُونَ نَذِيرًا بِالْعَطَبِ ، يَحْسَبُ أَنَّ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِ ، وَكُلَّ مَكْرُوهٍ قَاصِدٌ إِلَيْهِ ، فَمَنْ خَافَ اللَّهَ آمَنَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَمَنْ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ أَخَافَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ :
بِذَا قَضَى اللَّهُ بَيْنَ الْخَلْقِ مُذْ خُلِقُوا أَنَّ الْمَخَاوِفَ وَالْأَجْرَامَ فِي قَرَنِ
الْمَعَاصِي تُوقِعُ فِي الْوَحْشَةِ
وَمِنْ عُقُوبَاتِهَا أَنَّهَا
nindex.php?page=treesubj&link=29494_29556تُوقِعُ الْوَحْشَةَ الْعَظِيمَةَ فِي الْقَلْبِ فَيَجِدُ الْمُذْنِبُ نَفْسَهُ مُسْتَوْحِشًا ، قَدْ وَقَعَتِ الْوَحْشَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ ، وَبَيْنَ الْخَلْقِ وَبَيْنَ نَفْسِهِ ، وَكُلَّمَا كَثُرَتِ الذُّنُوبُ اشْتَدَّتِ الْوَحْشَةُ ، وَأَمَرُّ الْعَيْشِ عَيْشُ الْمُسْتَوْحِشِينَ الْخَائِفِينَ ، وَأَطْيَبُ الْعَيْشِ عَيْشُ الْمُسْتَأْنِسِينَ ، فَلَوْ نَظَرَ الْعَاقِلُ وَوَازَنَ لَذَّةَ الْمَعْصِيَةِ وَمَا تُوقِعُهُ مِنَ الْخَوْفِ وَالْوَحْشَةِ ، لَعَلِمَ سُوءَ حَالِهِ ، وَعَظِيمَ غَبْنِهِ ، إِذْ بَاعَ أُنْسَ الطَّاعَةِ وَأَمْنَهَا وَحَلَاوَتَهَا بِوَحْشَةِ الْمَعْصِيَةِ وَمَا تُوجِبُهُ مِنَ الْخَوْفِ وَالضَّرَرِ الدَّاعِي لَهُ .
كَمَا قِيلَ :
فَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَوْحَشَتْكَ الذُّنُوبُ فَدَعْهَا إِذَا شِئْتَ وَاسْتَأْنِسِ
[ ص: 76 ] وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30503_29674الطَّاعَةَ تُوجِبُ الْقُرْبَ مِنَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ ، فَكُلَّمَا اشْتَدَّ الْقُرْبُ قَوِيَ الْأُنْسُ ، وَالْمَعْصِيَةُ تُوجِبُ الْبُعْدَ مِنَ الرَّبِّ ، وَكُلَّمَا زَادَ الْبُعْدُ قَوِيَتِ الْوَحْشَةُ .
وَلِهَذَا يَجِدُ الْعَبْدُ وَحْشَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ لِلْبُعْدِ الَّذِي بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ كَانَ مُلَابِسًا لَهُ ، قَرِيبًا مِنْهُ ، وَيَجِدُ أُنْسًا قَوِيًّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يُحِبُّ ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْهُ .
وَالْوَحْشَةُ سَبَبُهَا الْحِجَابُ ، وَكُلَّمَا غَلُظَ الْحِجَابُ زَادَتِ الْوَحْشَةُ ، فَالْغَفْلَةُ تُوجِبُ الْوَحْشَةَ ، وَأَشَدُّ مِنْهَا وَحْشَةُ الْمَعْصِيَةِ ، وَأَشَدُّ مِنْهَا وَحْشَةُ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ ، وَلَا تَجِدُ أَحَدًا مُلَابِسًا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا وَيَعْلُوهُ مِنَ الْوَحْشَةِ بِحَسْبِ مَا لَابَسَهُ مِنْهُ ، فَتَعْلُو الْوَحْشَةُ وَجْهَهُ وَقَلْبَهُ فَيَسْتَوْحِشُ وَيُسْتَوْحَشُ مِنْهُ .