فصل
الفرق بين حسن الظن والغرور
وقد تبين
nindex.php?page=treesubj&link=20002_20005الفرق بين حسن الظن والغرور ، وأن حسن الظن إن حمل على العمل ، وحث عليه ، وساق إليه ، فهو صحيح ، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور ، وحسن الظن هو الرجاء ، فمن كان رجاؤه هاديا له إلى الطاعة ، زاجرا له عن المعصية ، فهو رجاء صحيح ، ومن كانت بطالته رجاء ، ورجاؤه بطالة وتفريطا ، فهو المغرور .
ولو أن رجلا كانت له أرض يؤمل أن يعود عليه من مغلها ما ينفعه فأهملها ولم يبذرها
[ ص: 39 ] ولم يحرثها ، وحسن ظنه بأنه يأتي من مغلها ما يأتي من حرث وبذر وسقى وتعاهد الأرض لعده الناس من أسفه السفهاء .
وكذلك لو حسن ظنه وقوي رجاؤه بأن يجيئه ولد من غير جماع أو يصير أعلم أهل زمانه من غير طلب العلم ، وحرص تام عليه ، وأمثال ذلك .
فكذلك من حسن ظنه وقوي رجاؤه في الفوز بالدرجات العلا والنعيم المقيم ، من غير طاعة ولا تقرب إلى الله تعالى بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، وبالله التوفيق .
وقد قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=218إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله [ سورة البقرة : 218 ] .
فتأمل كيف جعل رجاءهم إتيانهم بهذه الطاعات ؟
وقال المغترون : إن المفرطين المضيعين لحقوق الله المعطلين لأوامره ، الباغين على عباده ، المتجرئين على محارمه ، أولئك يرجون رحمة الله .
وسر المسألة : أن
nindex.php?page=treesubj&link=20007الرجاء وحسن الظن إنما يكون مع الإتيان بالأسباب التي اقتضتها حكمة الله في شرعه وقدره وثوابه وكرامته ، فيأتي العبد بها ثم يحسن ظنه بربه ، ويرجوه أن لا يكله إليها ، وأن يجعلها موصلة إلى ما ينفعه ، ويصرف ما يعارضها ويبطل أثرها .
فَصْلٌ
الْفَرْقُ بَيْنَ حُسْنِ الظَّنِّ وَالْغُرُورِ
وَقَدْ تَبَيَّنَ
nindex.php?page=treesubj&link=20002_20005الْفَرْقُ بَيْنَ حُسْنِ الظَّنِّ وَالْغُرُورِ ، وَأَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ إِنْ حَمَلَ عَلَى الْعَمَلِ ، وَحَثَّ عَلَيْهِ ، وَسَاقَ إِلَيْهِ ، فَهُوَ صَحِيحٌ ، وَإِنْ دَعَا إِلَى الْبِطَالَةِ وَالِانْهِمَاكِ فِي الْمَعَاصِي فَهُوَ غُرُورٌ ، وَحُسْنُ الظَّنِّ هُوَ الرَّجَاءُ ، فَمَنْ كَانَ رَجَاؤُهُ هَادِيًا لَهُ إِلَى الطَّاعَةِ ، زَاجِرًا لَهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ ، فَهُوَ رَجَاءٌ صَحِيحٌ ، وَمَنْ كَانَتْ بِطَالَتُهُ رَجَاءً ، وَرَجَاؤُهُ بِطَالَةً وَتَفْرِيطًا ، فَهُوَ الْمَغْرُورُ .
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ يُؤَمِّلُ أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ مِنْ مَغْلِهَا مَا يَنْفَعُهُ فَأَهْمَلَهَا وَلَمْ يَبْذُرْهَا
[ ص: 39 ] وَلَمْ يَحْرُثْهَا ، وَحَسُنَ ظَنُّهُ بِأَنَّهُ يَأْتِي مِنْ مَغْلِهَا مَا يَأْتِي مَنْ حَرَثَ وَبَذَرَ وَسَقَى وَتَعَاهَدَ الْأَرْضَ لَعَدَّهُ النَّاسُ مِنْ أَسْفَهِ السُّفَهَاءِ .
وَكَذَلِكَ لَوْ حَسُنَ ظَنُّهُ وَقَوِيَ رَجَاؤُهُ بِأَنْ يَجِيئَهُ وَلَدٌ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَوْ يَصِيرَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الْعِلْمِ ، وَحِرْصٍ تَامٍّ عَلَيْهِ ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ .
فَكَذَلِكَ مَنْ حَسُنَ ظَنُّهُ وَقَوِيَ رَجَاؤُهُ فِي الْفَوْزِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَا وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ ، مِنْ غَيْرِ طَاعَةٍ وَلَا تَقَرُّبٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ ، وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=218إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 218 ] .
فَتَأَمَّلْ كَيْفَ جَعَلَ رَجَاءَهُمْ إِتْيَانَهُمْ بِهَذِهِ الطَّاعَاتِ ؟
وَقَالَ الْمُغْتَرُّونَ : إِنَّ الْمُفَرِّطِينَ الْمُضَيِّعِينَ لِحُقُوقِ اللَّهِ الْمُعَطِّلِينَ لِأَوَامِرِهِ ، الْبَاغِينَ عَلَى عِبَادِهِ ، الْمُتَجَرِّئِينَ عَلَى مَحَارِمِهِ ، أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ .
وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20007الرَّجَاءَ وَحُسْنَ الظَّنِّ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الْإِتْيَانُ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي اقْتَضَتْهَا حِكْمَةُ اللَّهِ فِي شَرْعِهِ وَقَدَرِهِ وَثَوَابِهِ وَكَرَامَتِهِ ، فَيَأْتِي الْعَبْدُ بِهَا ثُمَّ يُحْسِنُ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ ، وَيَرْجُوهُ أَنْ لَا يَكِلَهُ إِلَيْهَا ، وَأَنْ يَجْعَلَهَا مُوصِلَةً إِلَى مَا يَنْفَعُهُ ، وَيَصْرِفَ مَا يُعَارِضُهَا وَيُبْطِلَ أَثَرَهَا .