فصل
فهذا الكلام في المجاز على وجه كلي ، ونحن نذكر
nindex.php?page=treesubj&link=28730ما ادعوا فيه المجاز من كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجه التفصيل ، وذلك إنما يتبين بذكر أمثلة ادعوا فيها المجاز :
المثال الأول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وجاء ربك ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ) ونظائره ، قيل : هو من مجاز الحذف تقديره وجاء أمر ربك ، وهذا باطل من وجوه :
أحدها : أنه إضمار ما لا يدل عليه بمطابقة ولا تضمن ولا لزوم ، وادعاء حذف ما لا دليل عليه يرجع لوثوقه من الخطاب ، ويطرق كل مبطل على ادعاء إضمار ما يصح باطله .
الثاني : أن صحة التركيب واستقامة اللفظ لا تتوقف على هذا المحذوف ، بل الكلام مستقيم تام قائم المعنى بدون إضمار ، فإضماره مجرد خلاف الأصل فلا يجوز .
[ ص: 358 ] الثالث : أنه إذا لم يكن في اللفظ دليل على تعيين المحذوف كان تعيينه قولا على المتكلم بلا علم ، وإخبارا عنه بإرادة ما لم يقم به دليل على إرادته ، وكذلك كذب عليه .
الرابع : أن في السياق ما يبطل هذا التقدير ، وهو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وجاء ربك والملك ) فعطف مجيء الملك على مجيئه سبحانه يدل على تغاير المجيئين ، وأن مجيئه سبحانه حقيقة ، كما أن مجيء الملك حقيقة ، بل مجيء الرب سبحانه أولى أن يكون حقيقة من مجيء الملك ، وكذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك ) ففرق بين إتيان الملائكة وإتيان الرب وإتيان بعض آيات ربك ، فقسم ونوع ، ومع هذا التقسيم يمتنع أن يكون القسمان واحدا فتأمله .
ولهذا منع عقلاء الفلاسفة حمل مثل هذا اللفظ على مجازه ، وقالوا : هذا يأباه التقسيم والترديد والاطراد .
الخامس : أنه لو صرح بهذا المحذوف المقدر لم يحسن وكان كلاما ركيكا ، فادعاء صديق ما يكون النطق به مشتركا باطل ، فإنه لو قال : هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ملك ربك أو أمر ربك أو يأتي بعض آيات ربك كان مستهجنا .
السادس : أن اطراد نسبة المجيء والإتيان إليه سبحانه دليل الحقيقة ، وقد صرحتم بأن من علامات الحقيقة الاطراد ، فكيف كان هذا المطرد مجازا .
السابع : أنه لو كان المجيء والإتيان مستحيلا عليه لكان كالأكل والشرب والنوم والغفلة ، وهكذا هو عندكم سواء ، فمتى عهدتم إطلاق الأكل والشرب والنوم والغفلة عليه ونسبتها إليه نسبة مجازية ، وهي متعلقة بغيره ؟ وهل في ذلك شيء من الكمال البتة ؟ فإن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وجاء ربك ) وأتى ويأتي عندكم في الاستحالة ، مثل نام وأكل وشرب ، والله سبحانه لا يطلق على نفسه هذه الأفعال ولا رسوله صلى الله عليه وسلم لا بقرينة ولا مطلقة فضلا عن تطرد نسبتها إليه ، وقد اطرد نسبة المجيء والإتيان ، والنزول والاستواء إليه مطلقا من غير قرينة تدل على أن الذي نسب إليه ذلك غيره من مخلوقاته ، فكيف تسوغ دعوى المجاز فيه .
الثامن : أن المجاز لو كان ثابتا فإنما يصار إليه عند تعذر الحمل على الحقيقة إذ هي الأصل ، فما الذي أحال حمل ذلك على حقيقته من عقل أو نقل أو اتفاق من
[ ص: 359 ] اتفاقهم حجة ؟ فأما النقل والاتفاق فهو من جانب الحقيقة بلا ريب ، وأما العقل فإنكم تزعمون أنكم أولى به منهم ، وهم قد أبطلوا جميع عقلياتكم التي لأجلها ادعيتم أن نسبة المجيء والإتيان والنزول والاستواء إلى الله مجاز من أكثر من ثلاثمائة وجه ، وقد ذكرناها فيما تقدم فسلم لهم النقل واتفاق السلف ، فكيف والعقل الصريح من جانبهم ، كما تقدم تقريره ، فإن من لا يفعل شيئا ولا يتمكن من فعل يقوم به بمنزلة الجماد .
التاسع : أن هذا الذي ادعوا حذفه وإضماره يلزمهم فيه كما لزمهم فيما أنكروه ، فإنهم إذا قدروا وجاء أمر ربك ويأتي أمره ويجيء أمره وينزل أمره ، فأمره هو كلامه وهو حقيقة ، فكيف تجيء الصفة وتأتي وتنزل دون موصوفها ، وكيف ينزل الأمر ممن ليس هو فوق سماواته على عرشه .
ولما تفطن بعضهم لذلك قال : أمره بمعنى مأموره ، فالخلق والرزق بمعنى المخلوق والمرزوق فركب مجازا على مجاز بزعمه ولم يصنع شيئا ، فإن مأموره هو الذي يكون ويخلق بأمره وليس له عندهم أمر يقوم به ، فلا كلام يقوم به ، وإنما ذلك مجاز الكناية عن سرعة الانفعال بمشيئته تشبيها بمن يقول : كن ، فيكون الشيء عقيب تكوينه ، فركبوا مجازا على مجاز ولم يصنعوا شيئا ، فإن هذا المأمور الذي يأتي إن كان ملكا فهو داخل في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158إلا أن تأتيهم الملائكة ) وإن كان شيئا غير الملك فهو آية من آياته فيكون داخلا في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك ) .
العاشر : أن ما ادعوا من الحذف والإضمار إما أن يكون في اللفظ ما يقتضيه ويدل عليه أولا ، فإن كان الثاني لم يجز ادعاؤه ، وإن كان الأول كان كالملفوظ به ، وعلى التقديرين فلا يكون مجازا ، فإن المدلول عليه يمتنع تقديره .
فَصْلٌ
فَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْمَجَازِ عَلَى وَجْهٍ كُلِّيٍّ ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ
nindex.php?page=treesubj&link=28730مَا ادَّعَوْا فِيهِ الْمَجَازَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهِ التَّفْصِيلِ ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَبَيَّنُ بِذِكْرِ أَمْثِلَةٍ ادَّعَوْا فِيهَا الْمَجَازَ :
الْمِثَالُ الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وَجَاءَ رَبُّكَ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=210هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ) وَنَظَائِرُهُ ، قِيلَ : هُوَ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ تَقْدِيرُهُ وَجَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ، وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ إِضْمَارُ مَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِمُطَابَقَةٍ وَلَا تَضَمُّنٍ وَلَا لُزُومٍ ، وَادِّعَاءُ حَذْفِ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ يَرْجِعُ لِوُثُوقِهِ مِنَ الْخِطَابِ ، وَيَطْرُقُ كُلَّ مُبْطِلٍ عَلَى ادِّعَاءِ إِضْمَارِ مَا يَصِحُّ بَاطِلُهُ .
الثَّانِي : أَنَّ صِحَّةَ التَّرْكِيبِ وَاسْتِقَامَةَ اللَّفْظِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا الْمَحْذُوفِ ، بَلِ الْكَلَامُ مُسْتَقِيمٌ تَامٌّ قَائِمُ الْمَعْنَى بِدُونِ إِضْمَارٍ ، فَإِضْمَارُهُ مُجَرَّدُ خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا يَجُوزُ .
[ ص: 358 ] الثَّالِثُ : أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي اللَّفْظِ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِ الْمَحْذُوفِ كَانَ تَعْيِينُهُ قَوْلًا عَلَى الْمُتَكَلِّمِ بِلَا عِلْمٍ ، وَإِخْبَارًا عَنْهُ بِإِرَادَةِ مَا لَمْ يَقُمْ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى إِرَادَتِهِ ، وَكَذَلِكَ كَذَبَ عَلَيْهِ .
الرَّابِعُ : أَنَّ فِي السِّيَاقِ مَا يُبْطِلُ هَذَا التَّقْدِيرَ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ ) فَعَطْفُ مَجِيءِ الْمَلَكِ عَلَى مَجِيئِهِ سُبْحَانَهُ يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ الْمَجِيئَيْنِ ، وَأَنَّ مَجِيئَهُ سُبْحَانَهُ حَقِيقَةٌ ، كَمَا أَنَّ مَجِيءَ الْمَلَكِ حَقِيقَةٌ ، بَلْ مَجِيءُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً مِنْ مَجِيءِ الْمَلَكِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ) فَفَرَّقَ بَيْنَ إِتْيَانِ الْمَلَائِكَةِ وَإِتْيَانِ الرَّبِّ وَإِتْيَانِ بَعْضِ آيَاتِ رَبِّكَ ، فَقَسَّمَ وَنَوَّعَ ، وَمَعَ هَذَا التَّقْسِيمِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْقِسْمَانِ وَاحِدًا فَتَأَمَّلْهُ .
وَلِهَذَا مَنَعَ عُقَلَاءُ الْفَلَاسِفَةِ حَمْلَ مِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى مَجَازِهِ ، وَقَالُوا : هَذَا يَأْبَاهُ التَّقْسِيمُ وَالتَّرْدِيدُ وَالِاطِّرَادُ .
الْخَامِسُ : أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَحْذُوفِ الْمُقَدَّرِ لَمْ يَحْسُنْ وَكَانَ كَلَامًا رَكِيكًا ، فَادِّعَاءُ صَدِيقِ مَا يَكُونُ النُّطْقُ بِهِ مُشْتَرَكًا بَاطِلٌ ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ مَلَكُ رَبِّكَ أَوْ أَمْرُ رَبِّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ كَانَ مُسْتَهْجَنًا .
السَّادِسُ : أَنَّ اطِّرَادَ نِسْبَةِ الْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ ، وَقَدْ صَرَّحْتُمْ بِأَنَّ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَقِيقَةِ الِاطِّرَادَ ، فَكَيْفَ كَانَ هَذَا الْمُطَّرِدُ مَجَازًا .
السَّابِعُ : أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَجِيءُ وَالْإِتْيَانُ مُسْتَحِيلًا عَلَيْهِ لَكَانَ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ ، وَهَكَذَا هُوَ عِنْدَكُمْ سَوَاءٌ ، فَمَتَى عَهِدْتُمْ إِطْلَاقَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ عَلَيْهِ وَنِسْبَتُهَا إِلَيْهِ نِسْبَةً مَجَازِيَّةً ، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِغَيْرِهِ ؟ وَهَلْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنَ الْكَمَالِ الْبَتَّةَ ؟ فَإِنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=22وَجَاءَ رَبُّكَ ) وَأَتَى وَيَأْتِي عِنْدَكُمْ فِي الِاسْتِحَالَةِ ، مِثْلُ نَامَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُطْلِقُ عَلَى نَفْسِهِ هَذِهِ الْأَفْعَالَ وَلَا رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا بِقَرِينَةٍ وَلَا مُطْلَقَةً فَضْلًا عَنْ تَطَرُّدِ نِسْبَتِهَا إِلَيْهِ ، وَقَدِ اطَّرَدَ نِسْبَةُ الْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ ، وَالنُّزُولِ وَالِاسْتِوَاءِ إِلَيْهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي نُسِبَ إِلَيْهِ ذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ ، فَكَيْفَ تُسَوَّغُ دَعْوَى الْمَجَازِ فِيهِ .
الثَّامِنُ : أَنَّ الْمَجَازَ لَوْ كَانَ ثَابِتًا فَإِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِذْ هِيَ الْأَصْلُ ، فَمَا الَّذِي أَحَالَ حَمْلَ ذَلِكَ عَلَى حَقِيقَتِهِ مِنْ عَقْلٍ أَوْ نَقْلٍ أَوِ اتِّفَاقٍ مِنِ
[ ص: 359 ] اتِّفَاقِهِمْ حُجَّةً ؟ فَأَمَّا النَّقْلُ وَالِاتِّفَاقُ فَهُوَ مِنْ جَانِبِ الْحَقِيقَةِ بِلَا رَيْبٍ ، وَأَمَّا الْعَقْلُ فَإِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ أَوْلَى بِهِ مِنْهُمْ ، وَهُمْ قَدْ أَبْطَلُوا جَمِيعَ عَقْلِيَّاتِكُمُ الَّتِي لِأَجْلِهَا ادَّعَيْتُمْ أَنَّ نِسْبَةَ الْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ وَالنُّزُولِ وَالِاسْتِوَاءِ إِلَى اللَّهِ مَجَازٌ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ وَجْهٍ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيمَا تَقَدَّمَ فَسَلِمَ لَهُمُ النَّقْلُ وَاتِّفَاقُ السَّلَفِ ، فَكَيْفَ وَالْعَقْلُ الصَّرِيحُ مِنْ جَانِبِهِمْ ، كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ ، فَإِنَّ مَنْ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فِعْلٍ يَقُومُ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْجَمَادِ .
التَّاسِعُ : أَنَّ هَذَا الَّذِي ادَّعَوْا حَذْفَهُ وَإِضْمَارَهُ يَلْزَمُهُمْ فِيهِ كَمَا لَزِمَهُمْ فِيمَا أَنْكَرُوهُ ، فَإِنَّهُمْ إِذَا قَدَّرُوا وَجَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَيَأْتِي أَمْرُهُ وَيَجِيءُ أَمْرُهُ وَيَنْزِلُ أَمْرُهُ ، فَأَمْرُهُ هُوَ كَلَامُهُ وَهُوَ حَقِيقَةٌ ، فَكَيْفَ تَجِيءُ الصِّفَةُ وَتَأْتِي وَتَنْزِلُ دُونَ مَوْصُوفِهَا ، وَكَيْفَ يَنْزِلُ الْأَمْرُ مِمَّنْ لَيْسَ هُوَ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ .
وَلَمَّا تَفَطَّنَ بَعْضُهُمْ لِذَلِكَ قَالَ : أَمْرُهُ بِمَعْنَى مَأْمُورِهِ ، فَالْخَلْقُ وَالرِّزْقُ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ وَالْمَرْزُوقِ فَرَكَّبَ مَجَازًا عَلَى مَجَازٍ بِزَعْمِهِ وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا ، فَإِنَّ مَأْمُورَهُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ وَيُخْلَقُ بِأَمْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَهُمْ أَمْرٌ يَقُومُ بِهِ ، فَلَا كَلَامَ يَقُومُ بِهِ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مَجَازُ الْكِنَايَةِ عَنْ سُرْعَةِ الِانْفِعَالِ بِمَشِيئَتِهِ تَشْبِيهًا بِمَنْ يَقُولُ : كُنْ ، فَيَكُونُ الشَّيْءُ عَقِيبَ تَكْوِينِهِ ، فَرَكَّبُوا مَجَازًا عَلَى مَجَازٍ وَلَمْ يَصْنَعُوا شَيْئًا ، فَإِنَّ هَذَا الْمَأْمُورَ الَّذِي يَأْتِي إِنْ كَانَ مَلَكًا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ ) وَإِنْ كَانَ شَيْئًا غَيْرَ الْمَلَكِ فَهُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِهِ فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ) .
الْعَاشِرُ : أَنَّ مَا ادَّعَوْا مِنَ الْحَذْفِ وَالْإِضْمَارِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِيهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَوَّلًا ، فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ لَمْ يَجُزِ ادِّعَاؤُهُ ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَانَ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا يَكُونُ مَجَازًا ، فَإِنَّ الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ يَمْتَنِعُ تَقْدِيرُهُ .