nindex.php?page=treesubj&link=28655والتوحيد اسم لستة معان : توحيد الفلاسفة ، وتوحيد
الجهمية ، وتوحيد
القدرية الجبرية ، وتوحيد الاتحادية ، فهذه الأربعة أنواع من التوحيد جاءت الرسل بإبطالها ، ودل على بطلانها العقل والنقل ، فأما توحيد الفلاسفة فهو إنكار ماهية الرب الزائدة على وجوده ، وإنكار صفات كماله ، وأنه لا سمع له ولا بصر ، ولا قدرة ولا حياة ولا إرادة ولا كلام ولا وجه ولا يدين ، وليس فيه معينان يتميز أحدهما عن الآخر البتة ، قالوا : لأنه لو كان كذلك لكان مركبا وكان جسيما مؤلفا ، ولم يكن واحدا من كل وجه ، فجعلوه من جنس الجوهر الفرد الذي لا يحس ولا يرى ولا يتميز منه جانب عن جانب ، بل الجوهر الفرد يمكن وجوده ، وهذا الواحد الذي جعلوه حقيقة رب العالمين يستحيل وجوده .
فلما اصطلحوا على هذا المعنى في التوحيد وسمعوا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=163وإلهكم إله واحد ) ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=62وما من إله إلا الله ) نزلوا لفظ القرآن على هذا المعنى الاصطلاحي ، وقالوا : لو كان له صفة أو كلام أو مشيئة ، أو علم ، أو حياة
[ ص: 136 ] وقدرة ، أو سمع أو بصر ، لم يكن واحدا ، وكان مركبا مؤلفا ، فسموا أعظم التعطيل بأحسن الأسماء ، وهو التوحيد ، وسموا أصح الأشياء وأحقها بالثبوت ، وهو صفات الرب ، بأقبح الأسماء ، وهو التركيب والتأليف ، فتولد من بين هذه التسمية الصحيحة للمعنى الباطل جحد حقائق أسماء الرب وصفاته ، بل وجحد ماهيته وذاته وتكذيب رسله ، ونشأ من نشأ على اصطلاحه مع إعراضه عن استفادة الهدى والحق من الوحي ، فلم يعرف سوى الباطل الذي اصطلحوا عليه فجعلوه أصلا لدينه ، فلما رأى أن ما جاءت به الرسل يعارضه قال : إذا تعارض العقل والنقل قدم العقل .
التوحيد الثاني
nindex.php?page=treesubj&link=28836توحيد الجهمية : وهو مشتق من توحيد الفلاسفة ، وهو نفي صفات الرب كعلمه ، وكلامه ، وسمعه ، وبصره وحياته ، وعلوه على عرشه ونفي وجهه ، ويديه ، وقطب رحى هذا التوحيد جحد حقائق أسمائه وصفاته .
التوحيد الثالث :
nindex.php?page=treesubj&link=30239توحيد القدرية والجبرية ، وهو إخراج أفعال العباد أن تكون فعلا لهم ، وأن تكون واقعة بإرادتهم وكسبهم ، بل هي نفس فعل الله تعالى ، فهو الفاعل لها دونهم ، ونسبتها إليهم ، فعلها ينافي التوحيد عندهم .
الرابع :
nindex.php?page=treesubj&link=28837توحيد القائلين بوحدة الوجود ، وأن الوجود عندهم واحد ، ليس عندهم وجودان : قديم وحادث ، وخالق ومخلوق ، وواجب وممكن ، بل الوجود عندهم واحد بالعين ، والذي يقال له : الخلق المنزه والكل من عين واحدة ، بل هو العين الواحدة .
فهذه الأنواع الأربعة سماها أهل الباطل توحيدا واعتصموا بالاسم من إنكار المسلمين عليهم ، وقالوا : نحن الموحدون ؟ وسموا التوحيد الذي بعث الله به رسله : تركيبا وتجسيما وتشبيها ، وجعلوا هذه الألقاب لهم سهاما وسلاحا يقاتلون بها أهله ، فتترسوا بما عند أهل الحق من الأسماء الصحيحة وقابلوهم بالأسماء الباطلة ، وقد قال
جابر في الحديث الصحيح في حجة الوداع :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347212فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوحيد : " لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك " ، فهذا توحيد الرسول صلى الله عليه وسلم المتضمن لإثبات صفات الكمال التي يستحق عليها الحمد ، ولإثبات الأفعال التي يستحق بها أن يكون منعما ، ولإثبات القدرة والمشيئة والإرادة والتصرف والغضب والرضى والغنى والجود الذي هو حقيقة ملكه ، وعند الجهمية والمعطلة والفلاسفة لا حمد له في الحقيقة ولا نعمة ولا ملك ، والله
[ ص: 137 ] يعلم أنه لا نجازف في نسبة ذلك إليهم ، بل هو حقيقة قولهم ، فأي حمد لمن لا يسمع ولا يبصر ، ولا يعلم ولا يتكلم ولا يفعل ، ولا هو في العالم ولا خارج عنه ولا متصل به ولا منفصل عنه ، ولا فوقه ولا تحته ، ولا عن يمينه ولا عن يساره ؟ وأي نعمة لمن لا يقوم به فعل البتة ؟ وأي مالك لمن لا وصف له ولا فعل ؟ فانظر إلى توحيد الرسل وتوحيد من خالفهم .
nindex.php?page=treesubj&link=28655وَالتَّوْحِيدُ اسْمٌ لِسِتَّةِ مَعَانٍ : تَوْحِيدُ الْفَلَاسِفَةِ ، وَتَوْحِيدُ
الْجَهْمِيَّةِ ، وَتَوْحِيدُ
الْقَدَرِيَّةِ الْجَبْرِيَّةِ ، وَتَوْحِيدُ الِاتِّحَادِيَّةِ ، فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ مِنَ التَّوْحِيدِ جَاءَتِ الرُّسُلُ بِإِبْطَالِهَا ، وَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِهَا الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ ، فَأَمَّا تَوْحِيدُ الْفَلَاسِفَةِ فَهُوَ إِنْكَارُ مَاهِيَّةِ الرَّبِّ الزَّائِدَةِ عَلَى وُجُودِهِ ، وَإِنْكَارُ صِفَاتِ كَمَالِهِ ، وَأَنَّهُ لَا سَمْعَ لَهُ وَلَا بَصَرَ ، وَلَا قُدْرَةَ وَلَا حَيَاةَ وَلَا إِرَادَةَ وَلَا كَلَامَ وَلَا وَجْهَ وَلَا يَدَيْنِ ، وَلَيْسَ فِيهِ مُعَيَّنَانِ يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ الْبَتَّةَ ، قَالُوا : لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ مُرَكَّبًا وَكَانَ جَسِيمًا مُؤَلَّفًا ، وَلَمْ يَكُنْ وَاحِدًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، فَجَعَلُوهُ مِنْ جِنْسِ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ الَّذِي لَا يُحِسُّ وَلَا يَرَى وَلَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ جَانِبٌ عَنْ جَانِبٍ ، بَلِ الْجَوْهَرُ الْفَرْدُ يُمْكِنُ وُجُودُهُ ، وَهَذَا الْوَاحِدُ الَّذِي جَعَلُوهُ حَقِيقَةَ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ .
فَلَمَّا اصْطَلَحُوا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي التَّوْحِيدِ وَسَمِعُوا قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=163وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) ، وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=62وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ ) نَزَّلُوا لَفْظَ الْقُرْآنِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ ، وَقَالُوا : لَوْ كَانَ لَهُ صِفَةٌ أَوْ كَلَامٌ أَوْ مَشِيئَةٌ ، أَوْ عِلْمٌ ، أَوْ حَيَاةٌ
[ ص: 136 ] وَقُدْرَةٌ ، أَوْ سَمْعٌ أَوْ بَصَرٌ ، لَمْ يَكُنْ وَاحِدًا ، وَكَانَ مُرَكَّبًا مُؤَلَّفًا ، فَسَمَّوْا أَعْظَمَ التَّعْطِيلِ بِأَحْسَنِ الْأَسْمَاءِ ، وَهُوَ التَّوْحِيدُ ، وَسَمَّوْا أَصَحَّ الْأَشْيَاءِ وَأَحَقَّهَا بِالثُّبُوتِ ، وَهُوَ صِفَاتُ الرَّبِّ ، بِأَقْبَحِ الْأَسْمَاءِ ، وَهُوَ التَّرْكِيبُ وَالتَّأْلِيفُ ، فَتَوَلَّدَ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ الصَّحِيحَةِ لِلْمَعْنَى الْبَاطِلِ جَحْدُ حَقَائِقِ أَسْمَاءِ الرَّبِّ وَصِفَاتِهِ ، بَلْ وَجَحْدُ مَاهِيَّتِهِ وَذَاتِهِ وَتَكْذِيبُ رُسُلِهِ ، وَنَشَأَ مَنْ نَشَأَ عَلَى اصْطِلَاحِهِ مَعَ إِعْرَاضِهِ عَنِ اسْتِفَادَةِ الْهُدَى وَالْحَقِّ مِنَ الْوَحْيِ ، فَلَمْ يَعْرِفْ سِوَى الْبَاطِلِ الَّذِي اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ فَجَعَلُوهُ أَصْلًا لِدِينِهِ ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ يُعَارِضُهُ قَالَ : إِذَا تَعَارَضَ الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ قُدِّمَ الْعَقْلُ .
التَّوْحِيدُ الثَّانِي
nindex.php?page=treesubj&link=28836تَوْحِيدُ الْجَهْمِيَّةِ : وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ تَوْحِيدِ الْفَلَاسِفَةِ ، وَهُوَ نَفْيُ صِفَاتِ الرَّبِّ كَعِلْمِهِ ، وَكَلَامِهِ ، وَسَمْعِهِ ، وَبَصَرِهِ وَحَيَاتِهِ ، وَعُلُوِّهِ عَلَى عَرْشِهِ وَنَفْيُ وَجْهِهِ ، وَيَدَيْهِ ، وَقُطْبُ رَحَى هَذَا التَّوْحِيدِ جَحْدُ حَقَائِقِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ .
التَّوْحِيدُ الثَّالِثُ :
nindex.php?page=treesubj&link=30239تَوْحِيدُ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ ، وَهُوَ إِخْرَاجُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ أَنْ تَكُونَ فِعْلًا لَهُمْ ، وَأَنْ تَكُونَ وَاقِعَةً بِإِرَادَتِهِمْ وَكَسْبِهِمْ ، بَلْ هِيَ نَفْسُ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَهُوَ الْفَاعِلُ لَهَا دُونَهُمْ ، وَنِسْبَتُهَا إِلَيْهِمْ ، فِعْلُهَا يُنَافِي التَّوْحِيدَ عِنْدَهُمْ .
الرَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28837تَوْحِيدُ الْقَائِلِينَ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ ، وَأَنَّ الْوُجُودَ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ ، لَيْسَ عِنْدَهُمْ وُجُودَانِ : قَدِيمٌ وَحَادِثٌ ، وَخَالِقٌ وَمَخْلُوقٌ ، وَوَاجِبٌ وَمُمْكِنٌ ، بَلِ الْوُجُودُ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ بِالْعَيْنِ ، وَالَّذِي يُقَالُ لَهُ : الْخَلْقُ الْمُنَزَّهُ وَالْكُلُّ مِنْ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ ، بَلْ هُوَ الْعَيْنُ الْوَاحِدَةُ .
فَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ الْأَرْبَعَةُ سَمَّاهَا أَهْلُ الْبَاطِلِ تَوْحِيدًا وَاعْتَصَمُوا بِالِاسْمِ مِنْ إِنْكَارِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ ، وَقَالُوا : نَحْنُ الْمُوَحِّدُونَ ؟ وَسَمَّوُا التَّوْحِيدَ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ : تَرْكِيبًا وَتَجْسِيمًا وَتَشْبِيهًا ، وَجَعَلُوا هَذِهِ الْأَلْقَابَ لَهُمْ سِهَامًا وَسِلَاحًا يُقَاتِلُونَ بِهَا أَهْلَهُ ، فَتَتَرَّسُوا بِمَا عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ مِنَ الْأَسْمَاءِ الصَّحِيحَةِ وَقَابَلُوهُمْ بِالْأَسْمَاءِ الْبَاطِلَةِ ، وَقَدْ قَالَ
جَابِرٌ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَيْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347212فَأَهَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْحِيدِ : " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ ، لَا شَرِيكَ لَكَ " ، فَهَذَا تَوْحِيدُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَضَمِّنُ لِإِثْبَاتِ صِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا الْحَمْدَ ، وَلِإِثْبَاتِ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا أَنْ يَكُونَ مُنْعِمًا ، وَلِإِثْبَاتِ الْقُدْرَةِ وَالْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالتَّصَرُّفِ وَالْغَضَبِ وَالرِّضَى وَالْغِنَى وَالْجُودِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ مُلْكِهِ ، وَعِنْدَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعَطِّلَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ لَا حَمْدَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَا نِعْمَةَ وَلَا مُلْكَ ، وَاللَّهُ
[ ص: 137 ] يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا نُجَازِفُ فِي نِسْبَةِ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ ، بَلْ هُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ ، فَأَيُّ حَمْدٍ لِمَنْ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ ، وَلَا يَعْلَمُ وَلَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَفْعَلُ ، وَلَا هُوَ فِي الْعَالَمِ وَلَا خَارِجٌ عَنْهُ وَلَا مُتَّصِلٌ بِهِ وَلَا مُنْفَصِلٌ عَنْهُ ، وَلَا فَوْقَهُ وَلَا تَحْتَهُ ، وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَا عَنْ يَسَارِهِ ؟ وَأَيُّ نِعْمَةٍ لِمَنْ لَا يَقُومُ بِهِ فِعْلٌ الْبَتَّةِ ؟ وَأَيُّ مَالِكٍ لِمَنْ لَا وَصْفَ لَهُ وَلَا فِعْلَ ؟ فَانْظُرْ إِلَى تَوْحِيدِ الرُّسُلِ وَتَوْحِيدِ مَنْ خَالَفَهُمْ .