الثالث والعشرون : وهو أن الأدلة السمعية نوعان : نوع دل بطريق التنبيه والإرشاد على الدليل العقلي ، فهو عقلي سمعي ، فمن هذا غالب أدلة النبوة والمعاد والصفات والتوحيد ، وما لا يقوم التنبيه على الدليل العقلي منه فهو يسير جدا ، وإذا تدبرت القرآن رأيت هذا أغلب النوعين عليه ، وهذا النوع يمتنع أن يقوم دليل صحيح على معارضته لاستلزامه مدلوله وانتقال الذهن فيه من الدليل إلى المدلول ضرورة وهو أصل النوع الثاني الدال بمجرد الخبر ، والقدح في النوعين بالعقل ممتنع بالضرورة : أما الأول فلما تقدم ، وأما الثاني فلاستلزام القدح فيه : القدح في العقل الذي أثبته ، وإذا بطل العقل الذي أثبت السمع بطل ما عارضه من العقليات ، كما تقدم تقريره ، يوضحه :
الوجه الرابع والعشرون : أنه
nindex.php?page=treesubj&link=29616ليس في القرآن صفة إلا وقد دل العقل الصريح على إثباتها لله تعالى ، فقد تواطأ عليها دليل العقل والسمع ، فلا يمكن أن يعارض ثبوتها دليل صحيح البتة ، لا عقلي ولا سمعي ، بل إن كان المعارض سمعيا كان كذبا مفترى أو مما أخطأ المعارض به في فهمه ، وإن كان عقليا فهي شبهة خيالية .
واعلم أن هذه دعوى عظيمة ينكرها كل جهمي وناف وفيلسوف ، ويعرفها من نور الله قلبه بالإيمان وباشر قلبه معرفة الذي دعت إليه الرسل وأقرت به الفطر ، وشهدت به العقول الصحيحة المستقيمة لا المنكوسة المركوسة ، وقد نبه سبحانه في كتابه على ذلك في غير موضع ، وبين أن ما وصف به نفسه هو الكمال الذي لا يستحقه سواه ، فجاحده جاحد لكمال الرب تعالى ، فإنه تمدح بكل صفة وصف بها نفسه وأثنى بها على نفسه ، ومجد بها نفسه ، وحمد بها نفسه ، فذكرها سبحانه على وجه المدحة له
[ ص: 127 ] والتعظيم والتمجيد ، وتعرف بها إلى عباده ليعرفوا كماله ومجده وعظمته وجماله ، وكثيرا ما يذكرها عند ذكر آلهتهم التي عبدوها من دونه .
فذكر سبحانه من صفات كماله وعلوه على عرشه وتكلمه وتكليمه وإحاطة علمه ونفوذ مشيئته ما هو منتف عن آلهتهم ، فيكون ذلك من أدل دليل على بطلان إلهيتها وفساد عبادتها ، ويذكر ذلك عند دعوته عباده إلى ذكره وشكره وعبادته ، فيذكر لهم من أوصاف كماله ونعوت جلاله ما يجدون قلوبهم إلى المبادرة إلى دعوته والمسارعة إلى طاعته ، ويذكر صفاته لهم عند ترغيبهم وترهيبهم لتعرف القلوب من تخافه وترجوه ، ويذكر صفاته أيضا عند أحكامه وأوامره ونواهيه ، فقل أن تجد آية حكم من أحكام المكلفين إلا وهي مختتمة بصفة من صفاته أو صفتين ، وقد يذكر الصفة في أول الآية ووسطها وآخرها كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=1قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ) ويذكر صفاته عند سؤال عباده لرسوله صلى الله عليه وسلم عنه ، ويذكرها عند سؤالهم له عن أحكامه ، حتى إن الصلاة لا تنعقد إلا بذكر أسمائه وصفاته ، فذكر أسمائه روحها وسرها ، يصحبها من أولها إلى آخرها ، وإنما أمر بإقامتها ليذكر بأسمائه وصفاته ، وأمر عباده أن يسألوه بأسمائه وصفاته ، ففتح لهم باب الدعاء رغبا ورهبا ليذكره الداعي بأسمائه وصفاته فيتوسل إليه بها ، ولهذا كان
nindex.php?page=treesubj&link=32041أفضل الدعاء ما توصل فيه الداعي إليه بأسمائه وصفاته .
قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) وكان
nindex.php?page=treesubj&link=27906اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين : آية الكرسي ، وفاتحة آل عمران لاشتمالهما على صفة الحياة المصححة لجميع الصفات ، وصفة القيومية المتضمنة لجميع الأفعال ، ولهذا كانت سيدة آي القرآن وأفضلها ، ولهذا كانت
nindex.php?page=treesubj&link=28892سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن لأنها أخلصت الإخبار عن الرب تعالى وصفاته دون خلقه وأحكامه وثوابه وعقابه ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347210وسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو : " اللهم إني أسألك بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت [ ص: 128 ] المنان ، بديع السماوات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا حي يا قيوم " ، وسمع آخر يقول : " اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " فقال لأحدهما : " لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى " . وقال للآخر : " سل تعطه " وذلك لما تضمنه هذا الدعاء من أسماء الرب وصفاته .
وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347211ما أصاب عبد قط هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي وغمي ، إلا أذهب الله همه وأبدله مكانه فرحا " قالوا : أفلا نتعلمهن يا رسول الله ؟ قال : " بلى ، ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن " .
وقد نبه سبحانه على إثبات صفاته وأفعاله بطريق المعقول ، فاستيقظت للتنبيه العقول الحية ، واستمرت على رقادها العقول الميتة ; فقال في صفة العلم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=14ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) فتأمل صحة هذا الدليل مع غاية إيجاز لفظه باختصار ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ) فما أصح هذا الدليل وما أوجزه ، وقال تعالى في صفة الكلام :
[ ص: 129 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=148واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا ) نبه بهذا الدليل على أن من لا يكلم ولا يهدي لا يصلح أن يكون إلها ، وكذلك قوله في الآية الأخرى عن العجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=89أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا ) فجعل امتناع صفة الكلام والتكليم وعدم ملك الضر والنفع دليلا على عدم الإلهية وهذا دليل عقلي سمعي على أن الإله لا بد أن يكلم ويتكلم ويملك لعباده الضر والنفع ، وإلا لم يكن إلها .
وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=8ألم نجعل له عينين nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=9ولسانا وشفتين nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=10وهديناه النجدين ) نبه بهذا الدليل العقلي القاطع أن الذي جعلك تتصرف وتتكلم وتعلم أولى أن يكون بصيرا متكلما عالما ، وأي دليل عقلي قطعي أقوى من هذا وأبين وأقرب إلى العقول ؟
وقال تعالى في آلهة المشركين المعطلين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=195ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها ) فجعل سبحانه عدم البطش والسمع والمشي والبصر لهم دليلا على عدم إلهية من عدمت منه هذه الصفات ، وقد وصف الله سبحانه نفسه بضد صفة أوثانهم ، وبضد ما وصفه به المعطلة والجهمية ، فوصف نفسه بالسمع والبصر والفعل باليدين والمجيء والإتيان ، وذكر ضد صفات الأصنام التي جعل امتناع هذه الصفات فيها دليلا على عدم إلهيتها .
فتأمل آيات التوحيد والصفات في القرآن على كثرتها وتفننها واتساعها وتنوعها ، تجدها كلها قد أثبتت الكمال للموصوف بها وأنه المنفرد بذلك الكمال ، فليس له فيه شبيه ولا مثيل ، وأي دليل في العقل أوضح من إثبات الكمال المطلق لخالق هذا العالم ومدبره وملك السماوات والأرض وقيومهما ؟ فإذا لم يكن في العقل إثبات جميع الكمال له فأي قضية تصح في العقل بعد هذا ؟ ومن شك في أن صفة السمع والبصر والكلام والحياة والإرادة والقدر والغضب والرضى والفرح والرحمة كمال فهو ممن سلب خاصة الإنسانية وانسلخ من العقل ، بل من شك أن إثبات الوجه واليدين وما أثبته لنفسه معهما كمال فهو مصاب في عقله .
ومن شك أن كونه يفعل باختياره ما شاء ويتكلم إذا شاء ، وينزل إلى حيث شاء ، ويجيء إلى حيث شاء غير كمال فهو جاهل بالكمال ، والجماد عنده أكمل من الحي
[ ص: 130 ] الذي تقوم به الأفعال الاختيارية ، كما أن عند الجهمي أن الفاقد لصفات الكمال أكمل من الموصوف بهما ، كما أن عند أستاذهما وشيخهما الفيلسوف أن من لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم ولا له حياة ولا قدرة ، ولا إرادة ، ولا فعل ولا كلام ، ولا يرسل رسولا ، ولا ينزل كتابا ، ولا يتصرف في هذا العالم بتحويل وتغيير وإزالة ونقل وإماتة وإحياء ، أكمل ممن يتصرف بذلك ، فهؤلاء كلهم قد خالفوا صريح المعقول ، وسلبوا الكمال عمن هو أحق بالكمال من كل ما سواه ، ولم يكفهم ذلك حتى جعلوا الكمال نقصا .
فتأمل نسبتهم الباطلة التي عارضوا بها الوحي ، هل تصادم هذا الدليل الدال على إثبات الصفات والأفعال للرب سبحانه ، ثم اختر لنفسك بعد ما شئت ، وهذا قطرة من بحر نبهنا عليه تنبيها يعلم به اللبيب ما وراءه ، وإلا فلو أعطينا هذا الموضع حقه ، وهيهات أن نصل إلى ذلك ، لكتبنا عدة أسفار ، وكذا كل وجه من هذه الوجوه فإنه لو بسط وفصل لاحتمل سفرا وأكثر ، والله المستعان وبه التوفيق .
الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ : وَهُوَ أَنَّ الْأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ نَوْعَانِ : نَوْعٌ دَلَّ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ وَالْإِرْشَادِ عَلَى الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ ، فَهُوَ عَقْلِيٌّ سَمْعِيٌّ ، فَمِنْ هَذَا غَالِبُ أَدِلَّةِ النُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ وَالصِّفَاتِ وَالتَّوْحِيدِ ، وَمَا لَا يَقُومُ التَّنْبِيهُ عَلَى الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ مِنْهُ فَهُوَ يَسِيرٌ جِدًّا ، وَإِذَا تَدَبَّرْتَ الْقُرْآنَ رَأَيْتَ هَذَا أَغْلَبَ النَّوْعَيْنِ عَلَيْهِ ، وَهَذَا النَّوْعُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ عَلَى مُعَارَضَتِهِ لِاسْتِلْزَامِهِ مَدْلُولَهُ وَانْتِقَالِ الذِّهْنِ فِيهِ مِنَ الدَّلِيلِ إِلَى الْمَدْلُولِ ضَرُورَةً وَهُوَ أَصْلُ النَّوْعِ الثَّانِي الدَّالِّ بِمُجَرَّدِ الْخَبَرِ ، وَالْقَدَحُ فِي النَّوْعَيْنِ بِالْعَقْلِ مُمْتَنِعٌ بِالضَّرُورَةِ : أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا تَقَدَّمَ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِاسْتِلْزَامِ الْقَدْحِ فِيهِ : الْقَدْحَ فِي الْعَقْلِ الَّذِي أَثْبَتَهُ ، وَإِذَا بَطَلَ الْعَقْلُ الَّذِي أَثْبَتَ السَّمْعَ بَطَلَ مَا عَارَضَهُ مِنَ الْعَقْلِيَّاتِ ، كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ ، يُوَضِّحُهُ :
الْوَجْهُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ : أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=29616لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ صِفَةٌ إِلَّا وَقَدْ دَلَّ الْعَقْلُ الصَّرِيحُ عَلَى إِثْبَاتِهَا لِلَّهِ تَعَالَى ، فَقَدْ تَوَاطَأَ عَلَيْهَا دَلِيلُ الْعَقْلِ وَالسَّمْعِ ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَارِضَ ثُبُوتَهَا دَلِيلٌ صَحِيحٌ الْبَتَّةَ ، لَا عَقْلِيٌّ وَلَا سَمْعِيٌّ ، بَلْ إِنْ كَانَ الْمَعَارِضُ سَمْعِيًّا كَانَ كَذِبًا مُفْتَرًى أَوْ مِمَّا أَخْطَأَ الْمُعَارِضُ بِهِ فِي فَهْمِهِ ، وَإِنْ كَانَ عَقْلِيًّا فَهِيَ شُبْهَةٌ خَيَالِيَّةٌ .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ دَعْوَى عَظِيمَةٌ يُنْكِرُهَا كُلُّ جَهْمِيٍّ وَنَافٍ وَفَيْلَسُوفٍ ، وَيَعْرِفُهَا مَنْ نَوَّرَ اللَّهُ قَلَبَهُ بِالْإِيمَانِ وَبَاشَرَ قَلْبَهُ مَعْرِفَةُ الَّذِي دَعَتْ إِلَيْهِ الرُّسُلُ وَأَقَرَّتْ بِهِ الْفِطَرُ ، وَشَهِدَتْ بِهِ الْعُقُولُ الصَّحِيحَةُ الْمُسْتَقِيمَةُ لَا الْمَنْكُوسَةُ الْمَرْكُوسَةُ ، وَقَدْ نَبَّهَ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ عَلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَبَيَّنَ أَنَّ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ هُوَ الْكَمَالُ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّهُ سِوَاهُ ، فَجَاحِدُهُ جَاحِدٌ لِكَمَالِ الرَّبِّ تَعَالَى ، فَإِنَّهُ تَمَدَّحَ بِكُلِّ صِفَةٍ وَصَفَ بِهَا نَفْسَهُ وَأَثْنَى بِهَا عَلَى نَفْسِهِ ، وَمَجَّدَ بِهَا نَفْسَهُ ، وَحَمِدَ بِهَا نَفْسَهُ ، فَذَكَرَهَا سُبْحَانَهُ عَلَى وَجْهِ الْمِدْحَةِ لَهُ
[ ص: 127 ] وَالتَّعْظِيمِ وَالتَّمْجِيدِ ، وَتَعَرَّفَ بِهَا إِلَى عِبَادِهِ لِيَعْرِفُوا كَمَالَهُ وَمَجْدَهُ وَعَظَمَتَهُ وَجَمَالَهُ ، وَكَثِيرًا مَا يَذْكُرُهَا عِنْدَ ذِكْرِ آلِهَتِهِمُ الَّتِي عَبَدُوهَا مِنْ دُونِهِ .
فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَعُلُوِّهِ عَلَى عَرْشِهِ وَتَكَلُّمِهِ وَتَكْلِيمِهِ وَإِحَاطَةِ عِلْمِهِ وَنُفُوذِ مَشِيئَتِهِ مَا هُوَ مُنْتَفٍ عَنْ آلِهَتِهِمْ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ أَدَلِّ دَلِيلٍ عَلَى بُطْلَانِ إِلَهِيَّتِهَا وَفَسَادِ عِبَادَتِهَا ، وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عِنْدَ دَعْوَتِهِ عِبَادَهُ إِلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَعِبَادَتِهِ ، فَيَذْكُرُ لَهُمْ مِنْ أَوْصَافِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ مَا يَجِدُونَ قُلُوبَهُمْ إِلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى دَعْوَتِهِ وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى طَاعَتِهِ ، وَيَذْكُرُ صِفَاتِهِ لَهُمْ عِنْدَ تَرْغِيبِهِمْ وَتَرْهِيبِهِمْ لِتَعْرِفَ الْقُلُوبُ مَنْ تَخَافُهُ وَتَرْجُوهُ ، وَيَذْكُرُ صِفَاتِهِ أَيْضًا عِنْدَ أَحْكَامِهِ وَأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ ، فَقَلَّ أَنْ تَجِدَ آيَةَ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الْمُكَلَّفِينَ إِلَّا وَهِيَ مُخْتَتَمَةٌ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ أَوْ صِفَتَيْنِ ، وَقَدْ يَذْكُرُ الصِّفَةَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ وَوَسَطِهَا وَآخِرِهَا كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=1قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) وَيَذْكُرُ صِفَاتِهِ عِنْدَ سُؤَالِ عِبَادِهِ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ ، وَيَذْكُرُهَا عِنْدَ سُؤَالِهِمْ لَهُ عَنْ أَحْكَامِهِ ، حَتَّى إِنَّ الصَّلَاةَ لَا تَنْعَقِدُ إِلَّا بِذِكْرِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، فَذِكْرُ أَسْمَائِهِ رُوحُهَا وَسِرُّهَا ، يَصْحَبُهَا مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِإِقَامَتِهَا لِيُذْكَرَ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَأَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يَسْأَلُوهُ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، فَفَتَحَ لَهُمْ بَابَ الدُّعَاءِ رَغَبًا وَرَهَبًا لِيَذْكُرَهُ الدَّاعِي بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ فَيَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ بِهَا ، وَلِهَذَا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=32041أَفْضَلُ الدُّعَاءِ مَا تَوَصَّلَ فِيهِ الدَّاعِيَ إِلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) وَكَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=27906اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ : آيَةِ الْكُرْسِيِّ ، وَفَاتِحَةِ آلِ عِمْرَانَ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى صِفَةِ الْحَيَاةِ الْمُصَحِّحَةِ لِجَمِيعِ الصِّفَاتِ ، وَصِفَةِ الْقَيُّومِيَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِجَمِيعِ الْأَفْعَالِ ، وَلِهَذَا كَانَتْ سَيِّدَةَ آيِ الْقُرْآنِ وَأَفْضَلَهَا ، وَلِهَذَا كَانَتْ
nindex.php?page=treesubj&link=28892سُورَةُ الْإِخْلَاصِ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا أَخْلَصَتِ الْإِخْبَارَ عَنِ الرَّبِّ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ دُونَ خَلْقِهِ وَأَحْكَامِهِ وَثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347210وَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ [ ص: 128 ] الْمَنَّانُ ، بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ " ، وَسَمِعَ آخَرَ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ " فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا : " لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى " . وَقَالَ لِلْآخَرِ : " سَلْ تُعْطَهُ " وَذَلِكَ لِمَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الدُّعَاءُ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّبِّ وَصِفَاتِهِ .
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347211مَا أَصَابَ عَبْدٌ قَطُّ هَمٌّ وَلَا حُزْنٌ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجَلَاءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي وَغَمِّي ، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا " قَالُوا : أَفَلَا نَتَعَلَّمُهُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " بَلَى ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ " .
وَقَدْ نَبَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى إِثْبَاتِ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ بِطَرِيقِ الْمَعْقُولِ ، فَاسْتَيْقَظَتْ لِلتَّنْبِيهِ الْعُقُولُ الْحَيَّةُ ، وَاسْتَمَرَّتْ عَلَى رُقَادِهَا الْعُقُولُ الْمَيْتَةُ ; فَقَالَ فِي صِفَةِ الْعِلْمِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=14أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) فَتَأَمَّلْ صِحَّةَ هَذَا الدَّلِيلِ مَعَ غَايَةِ إِيجَازِ لَفْظِهِ بِاخْتِصَارٍ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=17أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) فَمَا أَصَحَّ هَذَا الدَّلِيلَ وَمَا أَوْجَزَهُ ، وَقَالَ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْكَلَامِ :
[ ص: 129 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=148وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ) نَبَّهَ بِهَذَا الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَا يُكَلِّمُ وَلَا يَهْدِي لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى عَنِ الْعِجْلِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=89أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ) فَجَعَلَ امْتِنَاعَ صِفَةِ الْكَلَامِ وَالتَّكْلِيمِ وَعَدَمَ مِلْكِ الضَّرِّ وَالنَّفْعِ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْإِلَهِيَّةِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ سَمْعِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِلَهَ لَا بُدَّ أَنْ يُكَلِّمَ وَيَتَكَلَّمَ وَيَمْلِكَ لِعِبَادِهِ الضَّرَّ وَالنَّفْعَ ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ إِلَهًا .
وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=8أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=9وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=10وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) نَبَّهَ بِهَذَا الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ الْقَاطِعِ أَنَّ الَّذِي جَعَلَكَ تَتَصَرَّفُ وَتَتَكَلَّمُ وَتَعْلَمُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا مُتَكَلِّمًا عَالِمًا ، وَأَيُّ دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ قَطْعِيٍّ أَقْوَى مِنْ هَذَا وَأَبْيَنُ وَأَقْرَبُ إِلَى الْعُقُولِ ؟
وَقَالَ تَعَالَى فِي آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ الْمُعَطِّلِينَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=195أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ) فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ عَدَمَ الْبَطْشِ وَالسَّمْعِ وَالْمَشْيِ وَالْبَصَرِ لَهُمْ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ إِلَهِيَّةِ مَنْ عَدِمَتْ مِنْهُ هَذِهِ الصِّفَاتُ ، وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ بِضِدِّ صِفَةِ أَوْثَانِهِمْ ، وَبِضِدِّ مَا وَصَفَهُ بِهِ الْمُعَطِّلَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ ، فَوَصَفَ نَفْسَهُ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْفِعْلِ بِالْيَدَيْنِ وَالْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ ، وَذَكَرَ ضِدَّ صِفَاتِ الْأَصْنَامِ الَّتِي جَعَلَ امْتِنَاعَ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِيهَا دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ إِلَهِيَّتِهَا .
فَتَأَمَّلْ آيَاتِ التَّوْحِيدِ وَالصِّفَاتِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى كَثْرَتِهَا وَتَفَنُّنِهَا وَاتِّسَاعِهَا وَتَنَوُّعِهَا ، تَجِدْهَا كُلَّهَا قَدْ أَثْبَتَتِ الْكَمَالَ لِلْمَوْصُوفِ بِهَا وَأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِذَلِكَ الْكَمَالِ ، فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ شَبِيهٌ وَلَا مَثِيلٌ ، وَأَيُّ دَلِيلٍ فِي الْعَقْلِ أَوْضَحُ مِنْ إِثْبَاتِ الْكَمَالِ الْمُطْلَقِ لِخَالِقِ هَذَا الْعَالَمِ وَمُدَبِّرِهِ وَمَلِكِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَقَيُّومِهِمَا ؟ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْلِ إِثْبَاتُ جَمِيعِ الْكَمَالِ لَهُ فَأَيُّ قَضِيَّةٍ تَصِحُّ فِي الْعَقْلِ بَعْدَ هَذَا ؟ وَمَنْ شَكَّ فِي أَنَّ صِفَةَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ وَالْحَيَاةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْقَدَرِ وَالْغَضَبِ وَالرِّضَى وَالْفَرَحِ وَالرَّحْمَةِ كَمَالٌ فَهُوَ مِمَّنْ سُلِبَ خَاصَّةَ الْإِنْسَانِيَّةِ وَانْسَلَخَ مِنَ الْعَقْلِ ، بَلْ مَنْ شَكَّ أَنَّ إِثْبَاتَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَمَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ مَعَهُمَا كَمَالٌ فَهُوَ مُصَابٌ فِي عَقْلِهِ .
وَمَنْ شَكَّ أَنَّ كَوْنَهُ يَفْعَلُ بِاخْتِيَارِهِ مَا شَاءَ وَيَتَكَلَّمُ إِذَا شَاءَ ، وَيَنْزِلُ إِلَى حَيْثُ شَاءَ ، وَيَجِيءُ إِلَى حَيْثُ شَاءَ غَيْرُ كَمَالٍ فَهُوَ جَاهِلٌ بِالْكَمَالِ ، وَالْجَمَادُ عِنْدَهُ أَكْمَلُ مِنَ الْحَيِّ
[ ص: 130 ] الَّذِي تَقُومُ بِهِ الْأَفْعَالُ الِاخْتِيَارِيَّةُ ، كَمَا أَنَّ عِنْدَ الْجَهْمِيِّ أَنَّ الْفَاقِدَ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ أَكْمَلُ مِنَ الْمَوْصُوفِ بِهِمَا ، كَمَا أَنَّ عِنْدَ أُسْتَاذِهِمَا وَشَيْخِهِمَا الْفَيْلَسُوفِ أَنَّ مَنْ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَعْلَمُ وَلَا لَهُ حَيَاةٌ وَلَا قُدْرَةٌ ، وَلَا إِرَادَةٌ ، وَلَا فِعْلٌ وَلَا كَلَامٌ ، وَلَا يُرْسِلُ رَسُولًا ، وَلَا يُنْزِلُ كِتَابًا ، وَلَا يَتَصَرَّفُ فِي هَذَا الْعَالَمِ بِتَحْوِيلٍ وَتَغْيِيرٍ وَإِزَالَةٍ وَنَقْلٍ وَإِمَاتَةٍ وَإِحْيَاءٍ ، أَكْمَلُ مِمَّنْ يَتَصَرَّفُ بِذَلِكَ ، فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ قَدْ خَالَفُوا صَرِيحَ الْمَعْقُولِ ، وَسَلَبُوا الْكَمَالَ عَمَّنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْكَمَالِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ ، وَلَمْ يَكْفِهِمْ ذَلِكَ حَتَّى جَعَلُوا الْكَمَالَ نَقْصًا .
فَتَأَمَّلْ نِسْبَتَهُمُ الْبَاطِلَةَ الَّتِي عَارَضُوا بِهَا الْوَحْيَ ، هَلْ تُصَادِمُ هَذَا الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ لِلرَّبِّ سُبْحَانَهُ ، ثُمَّ اخْتَرْ لِنَفْسِكَ بَعْدُ مَا شِئْتَ ، وَهَذَا قَطْرَةٌ مِنْ بَحْرٍ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ تَنْبِيهًا يَعْلَمُ بِهِ اللَّبِيبُ مَا وَرَاءَهُ ، وَإِلَّا فَلَوْ أَعْطَيْنَا هَذَا الْمَوْضِعَ حَقَّهُ ، وَهَيْهَاتَ أَنْ نَصِلَ إِلَى ذَلِكَ ، لَكَتَبْنَا عِدَّةَ أَسْفَارٍ ، وَكَذَا كُلُّ وَجْهٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ لَوْ بُسِطَ وَفُصِّلَ لَاحْتَمَلَ سِفْرًا وَأَكْثَرَ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ .