[ ص: 237 ] فصل
أما
nindex.php?page=treesubj&link=28787ما احتج به الجبرية من قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=23لا يسأل عما يفعل ) فدليل حق استدل به على باطل ، فإن الآية إنما سيقت لبيان توحيده سبحانه وبطلان إلهية ما سواه ، وأن كل من عداه مربوب مأمور منهي مسئول عن فعله ، وهو سبحانه ليس فوقه من يسأله عما يفعله ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=21أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=23لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) فلم تكن الآية مسوقة لبيان أنه لا يفعل بحكمة ولا لغاية محمودة مطلوبة بالفعل ، وأنه يفعل ما يفعله بلا حكمة ولا سبب ولا غاية ، بل الآية دلت على نقيض ذلك ، وأنه لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته وحمده وأن أفعاله صادرة عن تمام الحكمة والرحمة والمصلحة ، فكمال علمه وحكمته وربوبيته ينافي اعتراض المعترضين عليه وسؤال السائلين له ، وهم حملوا الآية على أنه يسأل عما يفعله لقهره وسلطانه ، ومعلوم أن هذا ليس بمدح من كل وجه وإن تضمن مدحا من جهة القدرة والسلطان ، وإنما المدح التام أن يتضمن ذلك حكمته حمده ووقوع أفعاله على أتم المصالح ، ومطابقته للحكمة والغايات المحمودة ، فلا يسأل عما يفعله لكمال ملكه وكمال حمده ، فله الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، فاستدلال نفاة الحكمة بهذه الآية كاستدلال نفاة الصفات بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء ) والآيتان دالتان على ضد قول الطائفتين ، فليس كمثله شيء لكمال صفاته التي بكمالها وقيامها به لم يكن كمثله شيء ولا يسأل عما يفعل لكمال حكمته وحمده .
[ ص: 237 ] فَصْلٌ
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28787مَا احْتَجَّ بِهِ الْجَبْرِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=23لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ) فَدَلِيلٌ حَقٌّ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى بَاطِلٍ ، فَإِنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا سِيقَتْ لِبَيَانِ تَوْحِيدِهِ سُبْحَانَهُ وَبُطْلَانِ إِلَهِيَّةِ مَا سِوَاهُ ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ عَدَاهُ مَرْبُوبٌ مَأْمُورٌ مَنْهِيٌّ مَسْئُولٌ عَنْ فِعْلِهِ ، وَهُوَ سُبْحَانُهُ لَيْسَ فَوْقَهُ مَنْ يَسْأَلُهُ عَمَّا يَفْعَلُهُ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=21أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=23لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) فَلَمْ تَكُنِ الْآيَةُ مَسُوقَةً لِبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ بِحِكْمَةٍ وَلَا لِغَايَةٍ مَحْمُودَةٍ مَطْلُوبَةٍ بِالْفِعْلِ ، وَأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ بِلَا حِكْمَةٍ وَلَا سَبَبٍ وَلَا غَايَةٍ ، بَلِ الْآيَةُ دَلَّتْ عَلَى نَقِيضِ ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ لِكَمَالِ حِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ وَأَنَّ أَفْعَالَهُ صَادِرَةٌ عَنْ تَمَامِ الْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ ، فَكَمَالُ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ يُنَافِي اعْتِرَاضَ الْمُعْتَرِضِينَ عَلَيْهِ وَسُؤَالَ السَّائِلِينَ لَهُ ، وَهُمْ حَمَّلُوا الْآيَةَ عَلَى أَنَّهُ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُهُ لِقَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَدْحٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنْ تَضَمَّنَ مَدْحًا مِنْ جِهَةِ الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ ، وَإِنَّمَا الْمَدْحُ التَّامُّ أَنْ يَتَضَمَّنَ ذَلِكَ حِكْمَتَهُ حَمْدَهُ وَوُقُوعَ أَفْعَالِهِ عَلَى أَتَمِّ الْمَصَالِحِ ، وَمُطَابَقَتَهُ لِلْحِكْمَةِ وَالْغَايَاتِ الْمَحْمُودَةِ ، فَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُهُ لِكَمَالِ مُلْكِهِ وَكَمَالِ حَمْدِهِ ، فَلَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، فَاسْتِدْلَالُ نُفَاةِ الْحِكْمَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ كَاسْتِدْلَالِ نُفَاةِ الصِّفَاتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) وَالْآيَتَانِ دَالَّتَانِ عَلَى ضِدِّ قَوْلِ الطَّائِفَتَيْنِ ، فَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لِكَمَالِ صِفَاتِهِ الَّتِي بِكَمَالِهَا وَقِيَامِهَا بِهِ لَمْ يَكُنْ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ لِكَمَالِ حِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ .