، وهو موصوف بتلك الصفات كلها ، ونذكر من ذلك صفة واحدة يعتبر بها في سائر الصفات : وهو أنك لو فرضت جمال الخلق كلهم من أولهم إلى آخرهم لشخص واحد منهم ، ثم كان الخلق كلهم على جمال ذلك الشخص لكان نسبته إلى جمال الرب تبارك وتعالى دون نسبة سراج ضعيف إلى جرم الشمس ، وكذلك قوته سبحانه وعلمه وسمعه وبصره وكلامه وقدرته ورحمته وحكمته ووجوده ، وسائر صفاته ، وهذا مما دلت عليه آياته الكونىة السمعية ، وأخبرت به رسله عنه ، كما في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم : " فلله سبحانه كل صفة كمال " . إن الله لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار ، وعمل النهار قبل عمل الليل ، حجابه النور ، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه
فإذا كانت سبحات وجهه الأعلى لا يقوم لها شيء من خلقه ، ولو كشف حجاب النور عن تلك السبحات لأحرق العالم العلوي والسفلي ، فما الظن بجلال ذلك الوجه [ ص: 180 ] الكريم وعظمته وكبريائه وكماله وجلاله وجماله ؟ وإذا كانت السماوات مع سعتها وعظمتها يجعلها على إصبع من أصابعه ، والأرض على إصبع ، والبحار على إصبع ، والجبال على إصبع ، فما ؟ وإذا كان يسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات بأقطار الأرض والسماوات ، فلا تشتبه عليه ولا تختلط عليه ولا يغلطه سمع عن سمع ، ويرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء تحت أطباق الأرض في الليلة الظلماء ، ويعلم ما تسره القلوب وأخفى منه ، وهو ما لم يخطر لها أنه سيخطر لها ، ولو كان البحر المحيط بالعالم مدادا ويحيط به من بعده سبعة أبحر كلها مداد ، وجميع أشجار الأرض ، وهو كل نبت قام على ساقه مما يحصد ومما لا يحصد ، أقلام يكتب بها ، لنفدت الأقلام والبحار ولم ينفد كلامه . الظن باليد الكريمة التي هي صفة من صفات ذاته
وهذا وغيره بعض ما تعرف به إلى عباده من كماله ، وإلا فلا يمكن لأحد قط أن يحصي ثناء عليه ، بل هو كما أثنى على نفسه ، فكل الثناء وكل الحمد وكل المجد ، وكل الكمال له سبحانه ، هو الذي وصلت إليه عقول أهل الإثبات وتلقوه عن الرسل ولا يحتاجون في ثبوت علمهم وجزمهم بذلك إلى الجواب عن الشبه القادحة في ذلك ، وإذا وردت عليهم لم تقدح فيما علموه وعرفوه ضرورة من كون ربهم تبارك وتعالى كذلك وفوق ذلك .