الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          قوله تعالى: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا

                                                                                                                                                                                          روى حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "والذي نفسي بيده; إنه ليسمع خفق نعالكم حين تولون عنه، فإن كان مؤمنا، كانت الصلاة عند رأسه، والزكاة عن يمينه، والصوم عن شماله، وفعل الخيرات والمعروف والإحسان إلى الناس من قبل رجليه، فيؤتى من قبل رأسه، فتقول الصلاة: ليس من قبلي مدخل ثم يؤتى عن يمينه فتقول الزكاة: ليس من قبلي مدخل، ثم يؤتى عن شماله، فيقول الصوم: ليس من قبلي مدخل، ثم يؤتى قبل رجليه، فيقول فعل الخيرات والمعروف والإحسان إلى الناس: ليس من قبلي مدخل . [ ص: 684 ] فيقال له: اجلس، فيجلس، وقد مثلت الشمس للغروب، فيقول له: ما تقول في هذا الرجل الذي كان بعث فيكم؟ " - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - - "فيقول: أشهد أنه رسول الله، جاءنا بالبينات من عند ربنا فصدقناه، واتبعناه، فيقال له: صدقت، وعلى هذا حييت، وعلى هذا مت، وعليه تبعث إن شاء الله، فيفسح له في قبره مد بصره، فذلك قوله سبحانه: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت يقال: افتحوا له بابا إلى النار، فيفتح له باب إلى النار، فيقال: هذا منزلك لو عصيت الله، فيزداد غبطة وسرورا . ويقال: افتحوا له بابا إلى الجنة، فيفتح له، فيقال: هذا منزلك وما أعد الله لك، فيزداد غبطة وسرورا، ويعاد الجسد إلى ما بدئ منه، وتجعل روحه نسم طير معلق في شجر الجنة . وأما الكافر فيؤتى في قبر من قبل رأسه، فلا يوجد شيء، فيؤتى من قبل رجليه فلا يوجد شيء، فيجلس خائفا مرعوبا، فيقال له: ما تقول في هذا الرجل الذي كان فيكم؟ وما تشهد به؟ فلا يهتدي لاسمه، فيقال: محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيقول: سمعت الناس يقولون شيئا، فقلت كما قالوا، فيقال له: صدقت، على هذا حييت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله تعالى، فيضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، فذلك قوله تعالى: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا فيقال: افتحوا له بابا إلى الجنة، فيفتح له باب إلى الجنة، فيقال: هذا منزلك وما أعد الله لك لو كنت أطعته، فيزداد حسرة وثبورا، ثم يقال: افتحوا له بابا إلى النار، فيفتح له باب إليها، فيقال له: هذا منزلك، وما أعد الله لك، فيزداد حسرة وثبورا " .

                                                                                                                                                                                          قال أبو عمر الضرير: قلت لحماد بن سلمة: كان هذا من أهل القبلة؟ قال: نعم، قال أبو عمر : كأنه كان يشهد بهذه الشهادة على غير يقين يرجع [ ص: 685 ] إلى قلبه، كأن يسمع الناس يقولون شيئا، فيقوله . خرجه الطبراني .

                                                                                                                                                                                          وخرجه الخلال في كتاب "السنة"، وزاد فيه بعد قوله: "وقد مثلت الشمس له قد دنت للغروب، فيقال له: هذا الرجل الذي كان فيكم ما تقول فيه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي، فيقولون: إنك ستفعل، أخبرنا عما نسألك عنه "، وذكر الحديث . وخرجه ابن حبان في "صحيحه "، من طريق معتمر، عن محمد بن عمرو - به . ورواه جماعة عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة - موقوفا . وقد روي من حديث أبي حازم، عن أبي هريرة ، نحوه أيضا مع الاختلاف في رفعه ووقفه . وخرجه ابن منده ، من طريق محمد بن جحادة ، عن طلحة بن مصرف . عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: "إذا وضع المؤمن في قبره، أتاه شيطان من قبل رأسه، فيحول بينه وبينه سجوده، ثم يأتيه من قبل يديه، فيحول بينه وبينه صدقته، ثم يأتيه من قبل بطنه، فيحول بينه وبينه صومه، تم يأتيه من قبل رجليه، فيحول بينه وبينه قيامه عليها في الصلاة، ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقول: ربي بلغني منزلتي، فيقول: إن لك إخوة وأخوات لم يلحقوا، فنم قرير العين لا تفزع بعدها" . وخرجه - أيضا - من طريق محمد بن الصلت، عن ابن عيينة ، عن طلحة [ ص: 686 ] ابن مصرف ، عن أبي حازم، عن أبي هريرة - يرفعه قال: "يؤتى الرجل من قبل رأسه في قبره، فإذا أتي دفعه تلاوة القرآن، فإذا أتي من قبل يديه دفعته الصدقة، فإذا أتي من قبل رجليه دفعه مشيه إلى المساجد"، فذكره نحوه، كذا في هذه الرواية السابقة، إن الذي يأتيه في قبره شيطان .

                                                                                                                                                                                          وفي حديث الأعمش ، عن المنهال ، عن زاذان ، قال: قلت للبراء : أملك هو أم شيطان؟ قال: فغضب غضبا شديدا، ثم قال: نحن كنا أشد هيبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نسأله أملك هو أم شيطان؟ إنما نحدثكم ما سمعنا .

                                                                                                                                                                                          وخرج الإمام أحمد ، من حديث محمد بن المنكدر ، قال: كانت أسماء تحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أدخل الإنسان في قبره فإن كان مؤمنا أحف به عمله: الصلاة والصيام؟ قال: فيأتيه الملك من نحو الصلاة فيرده ومن نحو الصيام فيرده، فيناديه اجلس، فيجلس، فيقول: ما تقول في هذا الرجل؟ - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ "قال: من؟ قال: محمد - صلى الله عليه وسلم - . قال: أشهد أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يقول له: وما يدريك، أدركته؟ قال: يقول: إنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: يقول: على ذلك عشت، وعليه مت، وعليه تبعث . قال: إن كان فاجرا أو كافرا قال: جاءه الملك ليس بينه وبينه شيء يرده، فأجلسه قال: يقول: اجلس، ما تقول في هذا الرجل؟ قال: أي رجل؟ قال: محمد . قال: يقول: والله ما أدري، سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، قال: فيقول له الملك: على ذلك عشت، وعليه مت، وعليه تبعث . قال: يسلط عليه دابة في قبره، معها سوط ثمرته جمرة مثل غرب البعير، تضربه ما شاء الله، صماء لا تسمع صوته فترحمه " . [ ص: 687 ] قلت: قوله: "ويسلط عليه دابة . . " إلى آخره . وقد روي من وجه آخر عن ابن المنكدر ، أنه بلغه ذلك، فلعله مدرج في الحديث .

                                                                                                                                                                                          وفي حديث زاذان ، عن البراء بن عازب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد سبق ذكر بعضه، قال في المؤمن: "ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي " .

                                                                                                                                                                                          وقال في حق الكافر: "ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: ومن أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة" خرجه الإمام أحمد وغيره .

                                                                                                                                                                                          وروى ابن أبي الدنيا ، بإسناده عن أبي بكر بن عياش ، عن المقبري، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها -، قالت: إذا خرج سرير المؤمن، نادى: أنشدكم الله لما أسرعتم بي، فإذا أدخل قبره حفه عمله، فتجيء الصلاة فتكون عن يمينه، ويجيء الصوم فيكون عن يساره، ويجيء عمله بالمعروف فيكون عند رجليه، فتقول الصلاة: ليس لكم قبلي مدخل، كان يصلي، فيأتون من قبل يساره، فيقول الصوم: إنه كان يصوم ويعطش، فلا يجدون موضعا، فيأتونه من رجليه، فتخاصم عنه أعماله فلا يجدون مسلكا . وبإسناده عن ثابت البناني قال: إذا وضع الميت في قبره احتوشته أعماله [ ص: 688 ] الصالحة، وجاء ملك العذاب، فيقول له بعض أعماله: إليك عنه، فلو لم يكن إلا أنا لما وصلت إليه . وعنه أيضا، قال: إذا وضع العبد الصالح في قبره، أتي بفراش من الجنة، وقيل له: نم هنيئا لك قرة العين، فرضي الله عنك، قال: ويفسح له في قبره مد بصره، ويفتح له باب إلى الجنة، فينظر إلى حسنها، ويجد ريحها، وتحتوشه أعماله الصالحة: الصيام، والصلاة، والبر، فتقول له: نحن أنصبناك وأظمأناك وأسهرناك فنحن لك اليوم بحيث تحب، نحن نؤنسك حتى تصير إلى منزلك من الجنة .

                                                                                                                                                                                          وبإسناده عن كعب ، قال: إذا وضع العبد الصالح في قبره، احتوشته أعماله الصالحة: الصلاة والصيام والحج والجهاد والصدقة . قال: وتجيء ملائكة العذاب من قبل رجليه، فتقول الصلاة: إليكم عنه فلا سبيل لكم، فقد أطال القيام لله عز وجل عليهما، قال: فيأتونه من قبل رأسه، فيقول الصيام: لا سبيل لكم عليه، فقد أطال ظمأه لله تعالى في الدنيا؟ قال: فيأتونه من قبل جسده، فيقول الحج والجهاد: إليكم عنه، فقد أنصب نفسه، وأتعب بدنه، وحج وجاهد لله - عز وجل - لا سبيل لكم عليه، قال: فيأتونه من قبل يديه، فتقول الصدقة: كفوا عن صاحبي، فكم من صدقة خرجت من هاتين اليدين حتى وقعت في يد الله عز وجل ابتغاء وجهه، فلا سبيل لكم عليه " قال: فيقال له: هنيئا طبت حيا وطبت ميتا . قال: ويأتيه ملائكة الرحمة، فتفرشه فراشا من الجنة، ودثارا من الجنة، ويفسح له في قبره مد البصر، ويؤتى بقنديل من الجنة، فيستضيء بنوره إلى يوم يبعثه الله من قبره . [ ص: 689 ] وبإسناده عن يزيد الرقاشي ، قال: بلغني أن الميت إذا وضع في قبره احتوشته أعماله، ثم أنطقها الله تعالى، فقالت: أيها العبد المفرد في حفرته . انقطع عنك الأخلاء والأهلون، فلا أنيس لك اليوم غيرنا، قال: ثم يبكي ويقول: طوبى لمن كان أنيسه صالحا، والويل لمن كان أنيسه وبالا .

                                                                                                                                                                                          وبإسناده عن يزيد الرقاشي - أيضا - أنه كان يقول في كلامه: أيها المنفرد في حفرته، المخلى في القبر بوحدته، المستأنس في بطن الأرض بأعماله . ليت شعري بأي أعمالك استبشرت، وبأي إخوانك اغتبطت، قال: ثم يبكي حتى يبل عمامته، ويقول: استبشر والله بأعماله الصالحة، واغتبط والله بإخوانه المتعاونين على طاعة الله .

                                                                                                                                                                                          وبإسناده عن الوليد بن عمرو بن ساج، قال: بلغني أن أول شيء يجده الميت حوله عند رجليه، فيقول: ما أنت؟ فيقول: أنا عملك . وقد ورد في شفاعة القرآن لقارئه ودفعه عند عذاب القبر خصوصا: سورة تبارك .

                                                                                                                                                                                          وخرج النسائي في "عمل اليوم والليلة" بإسناده عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: من قرأ: تبارك الذي بيده الملك " كل ليلة منعه الله بها من عذاب القبر، وكنا في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسميها المانعة .

                                                                                                                                                                                          وخرجه خلف بن هشام في كتاب "فضائل القرآن " عن ابن مسعود ، ولفظه أنه ذكر "تبارك "، فقال: هي المانعة، تمنع من عذاب القبر، توفي رجل فأتي [ ص: 690 ] من قبل رجليه، فتقول رجلاه: لا سبيل لكم على ما قبلي، إنه كان يقرأ علي سورة تبارك، ويؤتى من قبل بطنه، فيقول بطنه: لا سبيل لكم على ما قبلي، إنه كان أوعى فيه سورة الملك، ويؤتى من قبل رأسه فيقول رأسه: لا سبيل لكم على ما قبلي إنه كان يقرأ سورة الملك .

                                                                                                                                                                                          وأخرج أبو عبيد في كتاب "فضائل القرآن " بإسناده عن ابن مسعود - رضي الله عنه -، قال: إن الميت إذا مات أوقدت له نيران حوله، فتأكل كل نار ما يليها إن لم يكن له عمل يحول بينه وبينها، وإن رجلا مات ولم يكن يقرأ من القرآن إلا سورة، ثلاثين آية، فأتته من قبل رأسه، فقالت: إنه كان يقرأ بي، فأتته من قبل رجليه، فقالت: إنه يقوم بي، فأتته من قبل جوفه، فقالت: إنه كان وعائي، قال: فأنجته . قال زر: فنظرت أنا ومسروق في المصحف فلم نجد سورة ثلاثين آية إلا تبارك . وروى عبد بن حميد في "مسنده " عن إبراهيم بن الحكم بن أبان، عن أبيه، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال: اقرأ تبارك الذي بيده الملك احفظها، وعلمها أهلك، وولدك، وصبيان بيتك، وجيرانك، فإنها المنجية والمجادلة، تجادل أو تخاصم عن صاحبها عند الله لقارئها، وتطلب أن ينجيه من عذاب النار إذا كانت في جوفه، وينجي الله بها صاحبها من عذاب النار . وروى سوار بن مصعب - وهو ضعيف جدا -، عن أبي إسحاق ، عن [ ص: 691 ] البراء ، يرفعه: "من قرأ: الم السجدة، وتبارك، قبل النوم، نجا من عذاب القبر، ووقي فتانا القبر" .

                                                                                                                                                                                          وسنذكر حديث عبادة في نزول القرآن مع الميت في قبره فيما بعد - إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                          وروى هشام بن عمار ، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر . عن أبيه، عن عطاء بن يسار ، قال: إذا وضع الميت في لحده، فأول شيء يأتيه عمله، فيضرب فخذه الشمال، فيقول: أنا عملك، فيقول: أين أهلي، وولدي، وعشيرتي، وما خولني الله تعالى؟ فيقول: تركت أهلك، وولدك، وعشيرتك، وما خولك الله وراء ظهرك، فلم يدخل قبرك معك غيري، فيقول: يا ليتني آثرتك على أهلي، وولدي وعشيرتي، وما خولني الله تعالى إذ لم يدخل معي غيرك .

                                                                                                                                                                                          قال أحمد بن أبي الحواري: حدثنا يحيى بن سليم، عن ابن أبي نجيح . عن مجاهد ، في قوله تعالى: فلأنفسهم يمهدون قال: في القبر . قال أحمد : فحدثت به يحيى بن معين، فقال: طوبى لمن كان له عمل صالح، يكون وطأه في القبر . ويشهد لهذا كله ما في "الصحيحين " عن أنس بن مالك ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى واحد يتبعه: أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله " . [ ص: 692 ] وخرجه البزار والطبراني والحاكم بسياق مطول، من حديث أنس - أيضا - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من عبد إلا له ثلاثة أخلاء، وأما خليل فيقول له: ما أنفقت فلك، وما أمسكت فليس لك، فذلك ماله، وأما خليل فيقول: أنا معك، فإذا أتيت باب الملك رجعت وتركتك، فذلك أهله وحشمه، وأما خليل فيقول أنا معك حيث دخلت، وحيث خرجت، فذلك عمله، فيقول: إن كنت لأهون الثلاثة علي " .

                                                                                                                                                                                          وخرج البزار والحاكم أيضا من حديث النعمان بن بشير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - معناه وقد اختلف في رفعه ووقفه . وقد روي هذا من حديث عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بسياق مبسوط، وأن عبد الله بن كرز قال في هذا المعنى شعرا، وأنشده للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن إسناده ضعيف جدا .

                                                                                                                                                                                          وخرج البزار هذا المعنى - أيضا - من حديث أبي هريرة ، وسمرة بن جندب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وخرجه الطبراني من حديث سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضا . وروى إبراهيم بن بشار ، عن إبراهيم بن أدهم ، أنه كان ينشد شعرا:


                                                                                                                                                                                          ما أحد أكرم من مفرد . في قبره أعماله تؤنسه     منعم الجسم وفي روضة .
                                                                                                                                                                                          زينها الله فهي مجلسه

                                                                                                                                                                                          [ ص: 693 ] وأما العارفون بالله، المحبون له، المنقطعون إليه في الدنيا، والمستأنسون به دون خلقه: فإن الله بكرمه وفضله لا يخذلهم في قبورهم، بل يتولاهم . ويؤنس وحشتهم فـ: إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون

                                                                                                                                                                                          وقد جاء في بعض ألفاظ حديث يوم المزيد: أنهم يقولون لربهم في ذلك اليوم: أنت الذي أنست منا الوحشة في القبور .

                                                                                                                                                                                          وكتب محمد بن يوسف الأصبهاني العابد إلى أخيه: إني محذرك متحولك من دار مهلتك إلى دار إقامتك وجزاء أعمالك، فتصير في قرار باطن الأرض بعد ظاهرها، فيأتيك منكر ونكير، فيقعدانك وينتهرانك، فإن يكن الله معك فلا بأس عليك، ولا وحشة ولا فاقة، وإن يكن غير ذلك فأعاذني الله وإياك من سوء مصرع، وضيق مضجع .

                                                                                                                                                                                          ورئي ابن أبي عاصم في المنام فسئل عن حاله فقال: يؤنسني ربي عز وجل .

                                                                                                                                                                                          وأما من كان في الدنيا مشغولا عن الله - عز وجل - وكان يخاف غيره . فإنه يعذب في قبره بذلك . قال أحمد بن أبي الحواري: حدثنا إبراهيم بن الفضل، عن أبي المليح الرقي، قال: إذا دخل ابن آدم قبره لم يبق شيء كان يخافه في الدنيا من دون الله - عز وجل - إلا تمثل له يفزعه في قبره، لأنه في الدنيا كان يخافه دون الله تعالى .

                                                                                                                                                                                          وروى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم، ولا يوم نشورهم، [ ص: 694 ] وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رءوسهم، يقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن " .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية