الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 93 ] سورة البقرة

                                                                                                                                                                                          قوله تعالى: أو كصيب من السماء

                                                                                                                                                                                          [قال البخاري ] : "باب: ما يقول إذا أمطرت ":

                                                                                                                                                                                          وقال ابن عباس : (كصيب) البقرة: 19،: المطر .

                                                                                                                                                                                          وقال غيره: صاب وأصاب يصوب .

                                                                                                                                                                                          حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن المروزي: أنا عبد الله - هو: ابن المبارك -: أنا عبيد الله ، عن نافع ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى المطر قال: "صيبا نافعا " .

                                                                                                                                                                                          تابعه: القاسم بن يحيى ، عن عبيد الله . ورواه الأوزاعي وعقيل ، عن نافع .

                                                                                                                                                                                          أما ذكر المتابعات على هذا الإسناد، لاختلاف وقع فيه: فإنه روي عن عبيد الله ، عن القاسم ، عن عائشة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير ذكر: " نافع " . والصحيح: ذكر: " نافع " فيه . وقد رواه - أيضا - يحيى القطان وعبدة بن سليمان، عن عبيد الله . كذلك -: ذكره الدارقطني في "علله " . [ ص: 94 ] فإن كان ذلك محفوظا عنهما، فكيف لم يذكر البخاري متابعتهما لابن المبارك، وعدل عنه إلى متابعة القاسم بن يحيى ؟ . وأما عقيل ، فرواه عن نافع ، - عن القاسم ، عن عائشة . ورواه - أيضا - أيوب، عن القاسم ، عن عائشة . خرجه الإمام أحمد ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عنه، ولفظ حديثه: "اللهم صيبا هنيئا - أو - صيبا هنيئا" .

                                                                                                                                                                                          وأما الأوزاعي ، فقد رواه عن نافع ، عن القاسم ، عن عائشة ، كما ذكره البخاري ، ولفظ حديثه: "اللهم اجعله صيبا هنيئا" . وقد خرج حديثه كذلك الإمام أحمد وابن ماجه .

                                                                                                                                                                                          وفي رواية ابن ماجه : أن الأوزاعي قال: "أخبرني نافع "، كذا خرجه من طريق عبد الحميد بن أبي العشرين، عنه .

                                                                                                                                                                                          وقد روي التصريح بالتحديث فيه عن الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي أيضا . ورواه إسماعيل بن سماعة، عن الأوزاعي ، عن رجل، عن نافع ، عن القاسم ، عن عائشة . وقال البابلتي: عن الأوزاعي ، عن محمد بن الوليد الزبيدي، عن نافع . عن القاسم ، عن عائشة . وقال عقبة بن علقمة : عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن نافع ، عن [ ص: 95 ] القاسم ، عن عائشة . قال الدارقطني : وهو غير محفوظ . وقال عيسى بن يونس وعباد بن جويرية : عن الأوزاعي ، عن الزهري . عن القاسم ، عن عائشة - من غير ذكر: " نافع " . وكذا روي عن ابن المبارك ، عن الأوزاعي .

                                                                                                                                                                                          قال الدارقطني : فإن كان ذلك محفوظا عن الأوزاعي ، فهو غريب عن الزهري . وخرجه البيهقي من رواية الوليد بن مسلم : نا الأوزاعي : حدثني نافع . ثم قال: كان ابن معين يزعم أن الأوزاعي لم يسمع من نافع شيئا . ثم خرجه من طريق الوليد بن مزيد: نا الأوزاعي : حدثني رجل، عن نافع - فذكره . قال: وهذا يشهد لقول ابن معين . قلت: وقد سبق الكلام على رواية الأوزاعي عن نافع في "باب: حمل العنزة بين يدي الإمام يوم العيد"، فإن البخاري خرج حديثا للأوزاعي عن نافع مصرحا فيه بالسماع . وقد روي هذا الحديث عن عائشة من وجه آخر: خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث المقدام بن ، [ ص: 96 ] شريح عن أبيه، عن عائشة ، أن النبي، كان إذا أمطر، قال: "اللهم صيبا هنيئا" - لفظ أبي داود .

                                                                                                                                                                                          ولفظ النسائي : "اللهم اجعله سيبا نافعا " . ولفظ ابن ماجه : "اللهم سيبا نافعا " - مرتين أو ثلاثا . وفي رواية لابن أبي الدنيا في "كتاب المطر": "اللهم سقيا نافعا " . وخرج مسلم من طريق جعفر بن محمد، عن عطاء ، عن عائشة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا رأى المطر: "رحمة" .

                                                                                                                                                                                          وقد أشار البخاري إلى تفسير قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صيبا هنيئا"، فذكر عن ابن عباس ، أن الصيب هو المطر . وقد خرجه ابن أبي الدنيا في "كتاب المطر" من رواية هارون بن عنترة . عن أبيه، عن ابن عباس . وقال غيره: هو المطر الشديد . وقد ذكر البخاري عن بعضهم، أن الفعل الماضي منه: "صاب وأصاب " . والمضارع منه: "يصوب " .

                                                                                                                                                                                          وهذا عجيب: فإن "أصاب " إنما تقال في ماضي "يصيب "، من الإصابة التي هي ضد الخطإ . وأما "صاب يصوب "، فمعناه: نزل من علو إلى سفل . وأما رواية من روى "سيبا" بالسين، فيجوز أن تكون السين مبدلة [ ص: 97 ] من الصاد . وقيل: بل هو بسكون الياء، ومعناه: العطاء .

                                                                                                                                                                                          وروي عن محمد بن أسلم الطوسي، أنه رجح هذه الرواية; لأن العطاء يعم المطر وغيره من أنواع الخير والرحمة، وفي هذه الأحاديث كلها: الدعاء بأن يكون النازل من السماء نافعا ، وذلك سقيا الرحمة، دون العذاب .

                                                                                                                                                                                          وروى ابن أبي الدنيا بإسناده، عن عبد الملك بن جابر بن عتيك، أن رجلا من الأنصار كان قاعدا عند عمر في يوم مطر، فأكثر الأنصاري الدعاء بالاستسقاء، فضربه عمر بالدرة، وقال: ما يدريك ما يكون في السقيا، ألا تقول: سقيا وادعة، نافعة، تسع الأموال والأنفس .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية