فإن قيل : قد قلنا : أما ما ترك من ذلك لعذر شرعي فلا بأس به . خالف كثير ممن اشتهر بالولاية بعض أدب الشرع فهل يقدح ذلك في ولايته ؟
وأما ما ترك لغير عذر شرعي ، فإن كان مندوبا لم يقدح في ولايته ، وإن كان محرما فإن كان كبيرا فقد خرج عن الولاية في حال ملابسته دون ما مضى ، وإن كان صغيرا فقد غلظ أكثر الناس في هذا الذنب الصغير . فمنهم من يسقط الولاية بصغيرة يرتكبها الولي ، وهؤلاء جهلة لأن اجتناب الصغيرة ليس بشرط في حق الأنبياء فضلا عن الأولياء ، ومنهم من إذا عرف صغيرة الولي أخرجه عن الولاية وطعن فيه ، وربما هجره ورفضه وقلاه وأبغضه ومنع الناس من الاقتداء به ، ومنهم من يحمله حسن ظنه في الولي على أن يعتقد اختصاص ذلك الولي بإباحة تلك الصغيرة التي حرمها الله تعالى ، ويزعم أن الله أحل له ما لم يحله لغيره وهذا خطأ عظيم ، فإن الله لم يستثن أحدا من التحليل والتحريم والندب والإيجاب ، إلا لعذر خاص أو عام ، وهذا أشر الأقسام . وأشر منه من يعتقد أن ذلك الذنب قربة لصدوره [ ص: 150 ] عن ذلك الولي ، وأسعدهم من اعتقد ولايته مع ارتكابه لذلك الذنب الصغير ، ومخالفته لما أمر به ونهى عنه ، فقد عصى آدم وداود وغيرهما ، ولم يخرج واحد منهم بمعصيته عن حدود ولايته ، ولو رفعت صغائر الأولياء إلى الأئمة والحكام . لم يجز تعزيرهم عليها ، بل يقبل عثرتهم ويستر زلتهم ، فهم أولى من أقيلت عثرته ، وسترت زلته . فإن قيل : كيف يجوز ؟ قلنا : إن ذكر ذلك تعبيرا لهم وإزراء عليهم حرم وكان كفرا ، فإن الله ما ذكر ذلك تعبيرا وإزراء عليهم وإنما ذكره تنبيها على سعة رحمته وسبوغ نعمته ، وإطماعا في التوبة من معصيته ومخالفته ، فإن مسامحة الأكابر تدل على أن مسامحة الأصاغر أولى ، لأن الذنب الصغير من الأماثل كبيرة . ولهذا قوله تعالى : { غيبة الأنبياء بنسبتهم إلى ما صدر منهم من الذنوب من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين } ، وإن ذكر للغرض الذي ذكره الله لأجله فلا بأس به ، بل ربما يندب إليه ويحث عليه ، إذا كان فيه مصلحة للمذنبين القانطين من رحمة رب العالمين . فإن قيل : إذا قلت : إن زادت مفاسد فسوقه على مصالح ولايته وقعت المقاصة بين حسناته وسيئاته ، وأخذ بما فضل من سيئاته ، وإن زادت مصالحه على مفاسد فسوقه وقعت المقاصة بين حسناته وسيئاته ، وأجر بما فضل من حسناته . كان الإنسان وليا في شطر عمره ثم صار فاسقا في الشطر الآخر فما حكم ولايته مع فسوقه ؟