فصل كل العلوم شريفة ، وتختلف رتب شرفها باختلاف رتب متعلقاتها ، فما تعلق بالإله وأوصافه كان أشرف العلوم ; لأن متعلقه أشرف من كل شريف . فيما يثاب عليه من العلوم : والعلوم أقسام
أحدها : الضروريات ولا ثواب عليها ، لأنها ليست من كسب العالم بها .
الثاني : النظريات ، ويثاب الإنسان عليها لقدرته على تحصيلها بالتسبب إليها .
الثالث : علوم يمنحها الأنبياء والأولياء بأن يخلقها الله فيهم من غير ضرورة ولا نظر وهي ضربان :
أحدهما : أشرف من الآخر وهو العلم بما يتعلق بالذات والصفات وله شرف عظيم ولا ثواب عليه في نفسه ، ولا على الأحوال الناشئة عنه ، فإن حدث عنها أمر مكتسب كان الثواب عليه دونها وكفى به شرفا في نفسه وهي كالمحامد التي يلتمسها الرسول عليه السلام بين يدي شفاعته لأمته ، فكم من شرف عظيم لا ثواب عليه لأنه خير من [ ص: 140 ] الثواب فإن النظر إلى الله أشرف من كل شريف وأفضل من كل نعيم روحاني أو جثماني ، وقد جعل زيادة على الأجور ، لأنه أعظم من أن يقابل به عمل من الأعمال أو حال من الأحوال ، وكذلك رضوان الله من أفضل ما أعطيته ولا ثواب عليه .
الضرب الثاني : علوم إلهامية ، يكشف بها عما في القلوب ، فيرى أحدهم بعينيه من الغائبات ما لم تجر العادة بسماع مثله .
وكذلك شمه ومسه ولمسه وكذلك يدرك بقلبه علوما متعلقة بالأكوان ، وقد رأى إبراهيم ملكوت السموات والأرض ، ومنهم من يرى الملائكة والشياطين والبلاد النائية ، بل ينظر إلى ما تحت الثرى ، ومنهم من يرى السموات وأفلاكها وكواكبها وشمسها وقمرها على ما هي عليه ، ومنهم من يرى اللوح المحفوظ ويقرأ ما فيه .
وكذلك يسمع أحدهم صرير الأقلام وأصوات الملائكة والجان ، ويفهم أحدهم منطق الطير ، فسبحان من أعزهم وأدناهم ، وأذل آخرين وأقصاهم ، ومن يهن الله فما له من مكرم ، إن الله يفعل ما يشاء .