31 - باب ذكر ما أخبر الله تعالى أنه يختم على قلوب من أراد من عباده ، فلا يهتدون إلى الحق ، ولا يسمعونه ولا يبصرونه ، لأنه مقتهم ، فطبع على قلوبهم
قال الله تعالى في البقرة : ( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون * ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ) .
وقال تعالى في سورة النساء ( فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا ) .
وقال تعالى في سورة المائدة : ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) .
[ ص: 704 ] وقال تعالى في سورة الأنعام : ( ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ) الآية .
وقال تعالى في هذه السورة : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) .
وقال تعالى في سورة التوبة : ( إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون ) .
وقال تعالى في سورة النحل ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح ) . . . إلى قوله : ( الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون ) .
وقال تعالى في سورة بني إسرائيل : ( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك [ ص: 705 ] وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا * وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ) . . . الآية .
وقال تعالى في سورة الكهف : ( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا ) .
وقال تعالى في سورة الشعراء : ( ولو نزلناه على بعض الأعجمين * فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين * كذلك سلكناه في قلوب المجرمين * لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم ) .
وقال تعالى في سورة يس : ( لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون * إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون * وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون * وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) .
وقال تعالى في سورة الجاثية : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ) .
[ ص: 706 ] وقال تعالى في سورة محمد صلى الله عليه وسلم : ( ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ) .
وقال تعالى في سورة المنافقين : ( ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون ) .
قال رحمه الله : محمد بن الحسين
جميع ما تلوته من هذه الآيات يدل العقلاء على أن الله تعالى ختم على قلوب قوم ، وطبع عليها ، ولم يردها لعبادته ، وأرادها لمعصيته ، فأعماها عن الحق فلم تبصره ، وأصمها عن الحق فلم تسمعه ، وأخزاها ولم يطهرها ، يفعل بخلقه ما يريد لا يجوز لقائل أن يقول : لم فعل بهم ذلك ؟ فمن قال ذلك : فقد عارض الله في فعله ، وضل عن طريق الحق .
ثم اختص الله من عباده من أحب ، فشرح قلوبهم للإيمان وزينه في قلوبهم ، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان ، أولئك هم الراشدون ، فضلا من الله ونعمة ، والله عليم حكيم .
قال محمد بن الحسين :
[ ص: 707 ] اعقلوا يا [ مسلمون ] ما يخاطبكم الله به ، يعلمكم أني مالك للعباد ، أختص منهم من أريد ، فأطهر قلبه ، وأشرح صدره ، وأزين له طاعتي ، وأكره إليه معصيتي ، لا ليد تقدمت منه إلي ، أنا الغني عن عبادي ، وهم الفقراء إلي ، ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) .
والمنة لله تعالى على من هدي للإيمان .
ألم تسمعوا - رحمكم الله - إلى قول مولاكم الكريم حين امتن قوم بإسلامهم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : ( يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ) .
[ ص: 708 ]