الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          [ ص: 423 ] قوله تعالى: إنما يتقبل الله من المتقين كانت هذه الآية يشتد منها خوف السلف على نفوسهم فخافوا أن لا يكونوا من المتقين الذين يتقبل منهم .

                                                                                                                                                                                          وسئل الإمام أحمد عن معنى "المتقين " فيها، فقال: يتقي الأشياء، فلا يقع فيما لا يحل له .

                                                                                                                                                                                          * * *

                                                                                                                                                                                          وكان السلف يوصون بإتقان العمل وتحسينه دون مجرد الإكثار منه، فإن العمل القليل مع التحسين والإتقان أفضل من الكثير مع عدم الإتقان . قال بعض السلف: "إن الرجلين ليقومان في الصف وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض، كم بين من تصعد صلاته لها نور وبرهان كبرهان الشمس . وتقول: حفظك الله كما حفظتني، وبين من تلف صلاته كما يلف الثوب الخلق ويضرب بها وجه صاحبها، وتقول: ضيعك الله كما ضيعتني " .

                                                                                                                                                                                          ولهذا قال ابن عباس وغيره: "صلاة ركعتين في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه " .

                                                                                                                                                                                          قال بعض السلف: "لا يقل عمل مع تقوى، وكيف يقل ما يتقبل؟ " يشير إلى قوله تعالى: إنما يتقبل الله من المتقين ولهذا قال من قال من الصحابة: لو علمت بأن الله قبل مني ركعتين كان أحب إلي من كذا وكذا، فمن اتقى الله في العمل قبله منه، ومن لم يتقه لم يقبله منه . والتقوى في العمل: أن يأتي به على وجه إكمال واجباته الظاهرة والباطنة، [ ص: 424 ] وإن ارتقى إلى الإتيان بآدابه وفضائله كان أكمل، في الملأ الأعلى، ومباهاة الملائكة، وقد يراد بالقبول: الثواب على العمل، وإن لم يرض به والقبول هنا يراد به: الرضا بالعمل، والمدح لعامله، والثناء عليه، في الملأ الأعلى . ومباهاة الملائكة . وقد يراد بالقبول: الثواب على العمل، وإن لم يرض به ولم يمدح عامله . فيجازى عليه بأنواع من الجزاء، فضلا من الله وإحسانا، وإن لم يرض عن عامله كما رؤي بعض المفرطين في النوم فسئل عن حاله فقال: غفر لي وأعرض عني، وعن جماعة من العلماء لم يعملوا بعلمهم .

                                                                                                                                                                                          ويطلق القبول على إسقاط الفرض بالعمل، وإن لم يثب عليه بثواب غير سقوط العقوبة والمطالبة بأداء الفرض به، والعارفون كلهم إنما يطلبون القبول بالوجه الأول، وهو الرضا، ويخافون من فواته أشد الخوف . قال مالك بن دينار : "وددت أن الله إذا جمع الخلائق يقول لي: يا مالك ، فأقول: لبيك، فيأذن لي أن أسجد بين يديه سجدة فأعرف أنه قد رضي عني، ثم يقول: يا مالك ، كن ترابا اليوم، فأكون ترابا" .

                                                                                                                                                                                          وكان بعضهم يقول في سجوده:

                                                                                                                                                                                          متى ألقاك وأنت عني راض . وعذبتني بكثرة الإعراض     وأعتاض ولست عنه بالمعتاض .
                                                                                                                                                                                          يا من بوصاله شفى أمراضي     هل أنت علي ساخط أم راض



                                                                                                                                                                                          رضاه أكبر من الجنة ونعيمها فليس للعارفين هم سواه .


                                                                                                                                                                                          لعلك غضبان وقلبي غافل .     سلام على الدارين إن كنت راضيا

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية