قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ظاهره رجوع الكناية إلى المذكورين قبله وهم الذين اعترفوا بذنوبهم ؛ لأن الكناية لا تستغني عن مظهر مذكور قد تقدم ذكره في الخطاب ، فهذا هو ظاهر الكلام ومقتضى اللفظ .
وجائز أن يريد به جميع المؤمنين وتكون الكناية عنهم جميعا لدلالة الحال عليه ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إنا أنزلناه في ليلة القدر يعني القرآن ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=45ما ترك على ظهرها من دابة وهو يعني الأرض ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32حتى توارت بالحجاب يعني الشمس ، فكنى عن هذه الأمور من غير ذكرها مظهرة في الخطاب لدلالة الحال عليها كذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خذ من أموالهم صدقة يحتمل أن يريد به أموال المؤمنين ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103تطهرهم وتزكيهم بها يدل على ذلك ، فإن كانت الكناية عن المذكورين في الخطاب من المعترفين بذنوبهم ، فإن دلالته ظاهرة على وجوب الأخذ من سائر المسلمين ؛ لاستواء الجميع في أحكام الدين إلا ما خصه الدليل ؛ وذلك لأن كل حكم حكم الله ورسوله به في شخص ، أو على شخص من عباده ، أو غيرها فذلك الحكم لازم في سائر الأشخاص إلا ما قام دليل التخصيص فيه
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103تطهرهم يعني إزالة نجس الذنوب بما يعطي من الصدقة ؛ وذلك لأنه لما أطلق اسم النجس على الكفر تشبيها له بنجاسة الأعيان ، أطلق في مقابلته وإزالته اسم التطهير كتطهير نجاسة الأعيان بإزالتها ، وكذلك حكم الذنوب في إطلاق اسم النجس عليها ، وأطلق اسم التطهير على إزالتها بفعل ما يوجب تكفيرها ،
[ ص: 356 ] فأطلق اسم التطهير عليهم بما يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم من صدقاتهم ، ومعناه أنهم يستحقون ذلك بأدائها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه لو لم يكن إلا فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الأخذ لما استحقوا التطهير ؛ لأن ذلك ثواب لهم على طاعتهم وإعطائهم الصدقة ، وهم لا يستحقون التطهير ولا يصيرون أزكياء بفعل غيرهم ، فعلمنا أن في مضمونه إعطاء هؤلاء الصدقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك صاروا بها أزكياء متطهرين .
وقد اختلف في مراد الآية هل هي الزكاة المفروضة ، أو هي كفارة من الذنوب التي أصابوها ، فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أنها ليست بالزكاة المفروضة ، وإنما هي كفارة الذنوب التي أصابوها ، وقال غيره : " هي الزكاة المفروضة " . والصحيح أنها الزكوات المفروضات إذ لم يثبت أن هؤلاء القوم ، أوجب الله عليهم صدقة دون سائر الناس سوى زكوات الأموال ، وإذا لم يثبت بذلك خبر فالظاهر أنهم وسائر الناس سواء في الأحكام ، والعبادات وأنهم غير مخصوصين بها دون غيرهم من الناس ولأنه إذا كان مقتضى الآية وجوب هذه
nindex.php?page=treesubj&link=26727_2646الصدقة على سائر الناس لتساوي الناس في الأحكام إلا من خصه دليل
فالواجب أن تكون هذه الصدقة واجبة على جميع الناس غير مخصوص بها قوم دون قوم ، وإذا ثبت ذلك كانت هي الزكاة المفروضة إذ ليس في أموال سائر الناس حق سوى الصدقات المفروضة ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103تطهرهم وتزكيهم بها لا دلالة فيه على أنها صدقة مكفرة للذنوب غير الزكاة المفروضة ؛ لأن الزكاة المفروضة أيضا تطهر وتزكي مؤديها ، وسائر الناس من المكلفين محتاجون إلى ما يطهرهم ويزكيهم .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ظَاهِرُهُ رُجُوعُ الْكِنَايَةِ إِلَى الْمَذْكُورِينَ قَبْلَهُ وَهُمُ الَّذِينَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ لَا تَسْتَغْنِي عَنْ مَظْهَرٍ مَذْكُورٍ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْخِطَابِ ، فَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْكَلَامِ وَمُقْتَضَى اللَّفْظِ .
وَجَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَتَكُونَ الْكِنَايَةَ عَنْهُمْ جَمِيعًا لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=97&ayano=1إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ يَعْنِي الْقُرْآنَ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=45مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ يَعْنِي الْأَرْضَ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=32حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ يَعْنِي الشَّمْسَ ، فَكَنَّى عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِهَا مُظْهَرَةً فِي الْخِطَابِ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهَا كَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَمْوَالَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَتِ الْكِنَايَةُ عَنِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْخِطَابِ مِنَ الْمُعْتَرِفِينَ بِذُنُوبِهِمْ ، فَإِنَّ دَلَالَتَهُ ظَاهِرَةٌ عَلَى وُجُوبِ الْأَخْذِ مِنْ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِاسْتِوَاءِ الْجَمِيعِ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ حُكْمٍ حَكَمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ فِي شَخْصٍ ، أَوْ عَلَى شَخْصٍ مِنْ عِبَادِهِ ، أَوْ غَيْرِهَا فَذَلِكَ الْحُكْمُ لَازِمٌ فِي سَائِرِ الْأَشْخَاصِ إِلَّا مَا قَامَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ فِيهِ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103تُطَهِّرُهُمْ يَعْنِي إِزَالَةَ نَجَسِ الذُّنُوبِ بِمَا يُعْطِي مِنَ الصَّدَقَةِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَطْلَقَ اسْمَ النَّجَسِ عَلَى الْكُفْرِ تَشْبِيهًا لَهُ بِنَجَاسَةِ الْأَعْيَانِ ، أَطْلَقَ فِي مُقَابَلَتِهِ وَإِزَالَتِهِ اسْمَ التَّطْهِيرِ كَتَطْهِيرِ نَجَاسَةِ الْأَعْيَانِ بِإِزَالَتِهَا ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الذُّنُوبِ فِي إِطْلَاقِ اسْمِ النَّجَسِ عَلَيْهَا ، وَأَطْلَقَ اسْمَ التَّطْهِيرِ عَلَى إِزَالَتِهَا بِفِعْلِ مَا يُوجِبُ تَكْفِيرَهَا ،
[ ص: 356 ] فَأَطْلَقَ اسْمَ التَّطْهِيرِ عَلَيْهِمْ بِمَا يَأْخُذُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَدَقَاتِهِمْ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ بِأَدَائِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَخْذِ لَمَا اسْتَحَقُّوا التَّطْهِيرَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَوَابٌ لَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِمْ وَإِعْطَائِهِمُ الصَّدَقَةَ ، وَهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ التَّطْهِيرَ وَلَا يَصِيرُونَ أَزْكِيَاءَ بِفِعْلِ غَيْرِهِمْ ، فَعَلِمْنَا أَنَّ فِي مَضْمُونِهِ إِعْطَاءَ هَؤُلَاءِ الصَّدَقَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِذَلِكَ صَارُوا بِهَا أَزْكِيَاءَ مُتَطَهِّرِينَ .
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مُرَادِ الْآيَةِ هَلْ هِيَ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ ، أَوْ هِيَ كَفَّارَةٌ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي أَصَابُوهَا ، فَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِالزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ ، وَإِنَّمَا هِيَ كَفَّارَةُ الذُّنُوبِ الَّتِي أَصَابُوهَا ، وَقَالَ غَيْرُهُ : " هِيَ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ " . وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا الزَّكَوَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ إِذْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ ، أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً دُونَ سَائِرِ النَّاسِ سِوَى زَكَوَاتِ الْأَمْوَالِ ، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ بِذَلِكَ خَبَرٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ وَسَائِرَ النَّاسِ سَوَاءٌ فِي الْأَحْكَامِ ، وَالْعِبَادَاتِ وَأَنَّهُمْ غَيْرُ مَخْصُوصِينَ بِهَا دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ وَلِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مُقْتَضَى الْآيَةِ وُجُوبُ هَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=26727_2646الصَّدَقَةِ عَلَى سَائِرِ النَّاسِ لِتَسَاوِي النَّاسِ فِي الْأَحْكَامِ إِلَّا مَنْ خَصَّهُ دَلِيلٌ
فَالْوَاجِبُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الصَّدَقَةُ وَاجِبَةً عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ غَيْرَ مَخْصُوصٍ بِهَا قَوْمٌ دُونَ قَوْمٍ ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ كَانَتْ هِيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ إِذْ لَيْسَ فِي أَمْوَالِ سَائِرِ النَّاسِ حَقٌّ سِوَى الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَةِ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=103تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهَا صَدَقَةٌ مُكَفِّرَةٌ لِلذُّنُوبِ غَيْرُ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ أَيْضًا تُطَهِّرُ وَتُزَكِّي مُؤَدِّيَهَا ، وَسَائِرُ النَّاسِ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ مُحْتَاجُونَ إِلَى مَا يُطَهِّرُهُمْ وَيُزَكِّيهِمْ .