وقوله : إنه كان فاحشة هذه الهاء كناية عن النكاح ؛ وقد قيل فيه وجهان :
أحدهما : النكاح بعد النهي فاحشة ، ومعناه هو فاحشة ، ف " كان " في هذا الموضع ملغاة وهو موجود في كلامهم ، قال الشاعر :
فإنك لو رأيت ديار قوم وجيران لنا كانوا كرام
فأدخل " كان " وهي ملغاة غير معتد بها ؛ لأن القوافي مجرورة . وقال الله تعالى : وكان الله عليما حكيما والله عليم حكيم . ويحتمل أن يريد به أن ما كان منه في الجاهلية فهو فاحشة فلا تفعلوا مثله ، وهذا لا يكون إلا بعد قيام حجة السمع عليهم بتحريمه ، ومن قال هذا [ ص: 64 ] جعل قوله تعالى : إلا ما قد سلف فإنه يسلم منه بالإقلاع عنه والتوبة منه .قال : والأولى حمله على أنه فاحشة بعد نزول التحريم ؛ لأن ذلك مراد عند الجميع لا محالة ، ولم تقم الدلالة على أن حجة السمع قد كانت قامت عليهم بتحريمه من جهة الرسل المتقدمين فيستحقون اللوم عليه ؛ ويدل عليه قوله تعالى : أبو بكر إلا ما قد سلف وظاهره يقتضي نفي المؤاخذة بما سلف منه .
فإن قيل : هذا يدل على أن من كان وطؤه زنا موجبا للحد ؛ لأنه سماها فاحشة ، وقال الله تعالى : عقد نكاحا على امرأة أبيه ووطئها ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا قيل له : الفاحشة لفظ مشترك يقع على كثير من المحظورات ، وقد روي في قوله تعالى : إلا أن يأتين بفاحشة مبينة أن خروجها من بيته فاحشة . وروي أن الفاحشة في ذلك أن تستطيل بلسانها على أهل زوجها ، وقيل فيها : إنها الزنا . فالفاحشة اسم يتناول مواقعة المحظور ، وليس يختص بالزنا دون غيره حتى إذا أطلق فيه اسم الفاحشة كان زنا ، وما كان من وطء عن عقد فاسد فإنه لا يسمى زنا ؛ لأن المجوس وسائر المشركين المولودين على مناكحاتهم التي هي فاسدة في الإسلام لا يسمون أولاد زنا والزنا اسم لوطء في غير ملك ، ولا نكاح ، ولا شبهة عن واحد منهما ، فأما إذا صدر عن عقد فإن ذلك لا يسمى زنا سواء كان العقد فاسدا أو صحيحا . وقوله تعالى : ومقتا وساء سبيلا يعني أنه مما يبغضه الله تعالى ويبغضه المسلمون ، وذلك تأكيد لتحريمه وتقبيحه وتهجين فاعله وبين أنه طريق سوء ؛ لأنه يؤدي إلى جهنم .