( تنبيهان )
( الأول ) اعلم أن ، فالضروري ما يلزم نفس المخلوق لزوما لا يجد إلى الانفكاك عنه سبيلا كالتصديق بأن الكل أعظم من الجزء وأن الواحد نصف الاثنين ، وأن العلم البديهي أخص من الضروري ، لأن البديهي هو ما يثبته مجرد العقل من غير احتياج إلى شيء آخر ، ويمكن الاحتياج في الضروريات إلى شيء آخر غير العقل كوجدان أو تجربة أو غيرهما . وأما الكسبي فهو مقابل للضروري وهو النظري والاستدلالي ، وهو ما يتضمنه النظر الصحيح ، وعرفه غير واحد بما يحصل بالذات عقيب النظر ، وفي مختصر التحرير وشرحه : الدال الناصب للدليل ، وهو لغة المرشد ، وشرعا ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري ، ويدخل في المطلوب الخبري ما يفيد القطع والظن ، وهو مذهب أصحابنا وأكثر الفقهاء الأصوليين ، وقيل إن ما أفاد القطع سمي دليلا وما أفاد الظن يسمى أمارة . العلم منه ما هو ضروري ومنه ما هو كسبي
وقال : ويحصل المطلوب المكتسب بالنظر الصحيح في الدليل عقبه عادة ، وعلى هذا أكثر العلماء ، لأنه قد جرت العادة بأن يفيض على نفس المستدل بعد النظر الصحيح مادة مطلوبه وصورة مطلوبه الذي توجه بالنظر إلى تحصيله ، وقيل : يحصل عقب النظر ضرورة لأنه لا يمكنه تركه . ثم إن الإدراك لماهية الشيء بلا حكم عليها بنفي أو إثبات تصور ، لأنه لم يحصل به سوى صورة ذلك الشيء في الذهن ، وتصور ماهية الشيء مع الحكم عليه بإيجاب أو سلب تصديق ، فالتصور [ ص: 446 ] إدراك الحقائق مجرد من الأحكام ، والتصديق نسبة حكمية بين الحقائق بالإيجاب والسلب ، والعلم الحاصل بالضرورة ، والكسب هو صفة يميز المتصف بها بين الجواهر والأعراض والواجب والممكن والممتنع تمييزا جازما مطابقا للواقع بحيث لا يحتمل النقيض ، والحق أنه يتفاوت كالمعلوم ، وكما يتفاوت الإيمان .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - : الصواب أن جميع الصفات المشروطة بالحياة تقبل التزايد . وروي عن - رضي الله عنه - في المعرفة الحاصلة في القلب في الإيمان هل تقبل التزايد والنقص ؟ روايتان ، قال : والصحيح من مذهبنا ومذهب جمهور أهل السنة إمكان الزيادة في جميع ذلك . انتهى . وتقدم وجوب اعتقاد قبول الإيمان للزيادة والنقص ودليل ذلك بالعقل والقرآن ، والله أعلم . الإمام أحمد