( ( وصار من عادة أهل العلم أن يعتنوا في سبر ذا بالنظم ) ) ( ( لأنه يسهل للحفظ كما
يروق للسمع ويشفي من ظما ) ) ( ( فمن هنا نظمت لي عقيدة
أرجوزة وجيزة مفيدة ) ) ( ( نظمتها في سلكها مقدمه
وست أبواب كذاك خاتمه ) )
( ( وصار ) ) في هذه الأزمنة ومن قبلها في سائر الأمصار ، بعد كثرة الخلاف ، وتباين الفرق ، وظهور البدع من قديم الأعصار ( من عادة أهل العلم ) بالسنة الدائبين في تحرير أدلتها ، والقائمين بنشرها وتعليمها ، والوقوف على أصولها وتبين دقائق محال الخلاف لخوف الزيغ والانحراف ، ( أن يعتنوا ) أن يقصدوا ويشتغلوا ويهتموا ( في سبر ) أي تتبع مهمات مسائل ( ذا ) أي هذا العلم الذي هو علم التوحيد وضبط أمهات تفاصيله ( بالنظم ) لسهولة حفظه ; لأنه كلام متسق مقفى موزون ، فيرسخ في الحافظة من غير مزيد مشقة بخلاف المنثور ، فإنه أصعب رسوخا في الحافظة كما لا يخفى ، [ ص: 59 ] فمن ثم قلنا معللين للنظم " لأنه " أي المنظوم المفهوم من النظم ( يسهل ) ، يقال : سهل ككرم سهالة وسهلة وتسهيلا ، لان ويسر ومن الأرض ضد الحزن ، أي ييسر ( للحفظ ) والعلوق في الحافظة ( كما ) أنه ( يروق ) أي يحسن ويجمل ويلذ ( للسمع ) لكونه ينبسط له ، ويلتذ بسماعه لتقفيته ووزنه ، ( ويشفي ) أي يبرئ ( من ظما ) أي من شدة عطش واشتياق إلى معرفة أصول علم التوحيد ومهمات مسائله ، والظمأ مهموز العطش أو أشده ، وظمئ إليه اشتاق ، وترك الهمز للوزن ، ( فمن هنا ) أي من أجل ما ذكرنا من تمييز النظم على النثر ، ( نظمت ) النظم التأليف ، وضم شيء إلى آخر ، يقال : نظم اللؤلؤ ينظمه نظما ونظاما ألفه وجمعه ( لي ) ولمن كان مثلي واعتقاده اعتقادي على النحو الأثري ( عقيدة ) سلفية أثرية ( ) وزنها أفعولة كأفحوصة ، أي مرجزة النظم من الرجز ، أحد بحور الشعر على الأرجح ، وجمعها أراجيز ، قال الشاعر : " أرجوزة
أبالأراجيز يا ابن اللؤم توعدني
" .( وجيزة ) أي قليلة ، من أوجز في كلامه إذا اختصره وقلله ، ( مفيدة ) أي مربحة لمن قرأها وتأمل معانيها حق التأمل ، ( نظمتها ) أي نظمت مسائلها ومهماتها ( في سلكها ) ، أي خيطها ، قال في القاموس : السلكة بالكسر الخيط يخاط بها ، والجمع سلك ، وجمع الجمع أسلاك ، ( مقدمه ) بكسر الدال المهملة على الأفصح اسم فاعل من قدم بمعنى تقدم ، ومنه ( لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) أي : لا تتقدموا عليه ، ومقدمة العلم ما يتوقف الشروع فيه عليها ، كمعرفة حده ورسمه ، وموضوعه وغاية المقصود منه ، ومقدمة الكتاب تقال لطائفة من كلامه قدمت أمام المقصود منه ; لارتباط له بها وانتفاع بها فيه ، ( وست أبواب ) جمع باب ، وهو فرجة في ساتر يتوصل بها من خارج إلى داخل ، ومن داخل إلى خارج ، وفي العرف اسم لطائفة من العلم يشتمل على فصول وفروع ومسائل غالبا ( كذاك ) ، أي كما أنه يشتمل على مقدمة وستة أبواب ، يشتمل على ( خاتمه ) ، وهي في اللغة عاقبة الشيء وآخرته ، وهنا من هذا القبيل ما يأتي بها المصنف أو الناظم في آخر كتابه أو في [ ص: 60 ] آخر بحث أو مسألة لتعلقها بما تقدمها في الجملة ، وهذه فهرست ما ذكرنا ، ( المقدمة ) في ترجيح مذهب السلف على غيره ( الباب الأول ) في معرفة الله - تعالى - وما يتعلق بذلك ، ( الثاني ) في الأفعال ، ( الثالث ) في الأحكام والكلام على الإيمان ومتعلقات ذلك ، ( الرابع ) في بعض السمعيات من الحشر والنشر وأشراط الساعة ونحو ذلك ، ( الخامس ) في النبوات ومتعلقاتها ، وفي ذكر فضل الصحابة وأفضلهم ، ( السادس ) في ذكر الإمامة ومتعلقاتها ، ( والخاتمة ) في فوائد جليلة ، وفرائد جزيلة ، لا يسع الجهل بها ، وستمر بك بابا بابا إن شاء الله - تعالى . ولما نظمت هذه العقيدة الأثرية :