( وقل رب زدني علما ) قال مقاتل أي قرآنا . وقيل : فهما . وقيل : حفظا وهذا القول متضمن للتواضع لله والشكر له عند ما علم من ترتيب التعلم أي علمتني مآرب لطيفة في باب التعلم وأدبا جميلا ما كان عندي ، فزدني علما . وقيل : ما أمر الله رسوله بطلب الزيادة في شيء إلا في طلب العلم .
[ ص: 283 ] ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى فقلنا ياآدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى فوسوس إليه الشيطان قال ياآدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ) .
تقدمت قصة آدم في البقرة والأعراف والحجر والكهف ، ثم ذكر ههنا لما تقدم ( كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق ) كان من هذا الإنباء قصة آدم ليتحفظ بنوه من وسوسة الشيطان ويتنبهوا على غوائله ، ومن أطاع الشيطان منهم ذكر بما جرى لأبيه آدم معه وأنه أوضحت له عداوته ، ومع ذلك نسي ما عهد إليه ربه وأيضا لما أمر بأن يقول ( رب زدني علما ) كان من ذلك ذكر قصة آدم وذكر شيء من أحواله فيها لم يتقدم ذكرها ، فكان في ذلك مزيد علم له عليه السلام ، والعهد عند الجمهور الوصية . والظاهر أن المضاف إليه المحذوف بعد قوله ( من قبل ) تقديره ( من قبل ) هؤلاء الذين صرف لهم من الوعيد في القرآن لعلهم يتقون ، وهم الناقضو عهد الله والتاركو الإيمان . وقال الحسن : ( من قبل ) الرسول والقرآن . وقيل : ( من قبل ) أن يأكل من الشجرة .
وقال : المعنى أن يعرض يا الطبري محمد هؤلاء الكفرة عن آياتي ويخالفوا رسلي ويطيعوا إبليس ، فقدما فعل ذلك أبوهم آدم . قال ابن عطية : وهذا ضعيف وذلك أن كون آدم مثالا للكفار الجاحدين بالله ليس بشيء ، وآدم عليه السلام إنما عصى بتأويل ففي هذا غضاضته عليه السلام ، وإنما الظاهر في هذه الآية إما أن يكون ابتداء قصص لا تعلق له بما قبله ، وإما أن يجعل تعلقه إنما هو لما عهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يعجل بالقرآن مثل له بنبي قبله عهد إليه ( فنسي ) فعرف ليكون أشد في التحذير وأبلغ في العهد إلى محمد صلى الله عليه وسلم .
وقال : يقال في أوامر الملوك ووصاياهم : تقدم الملك إلى فلان وأوغر عليه وعزم عليه وعهد إليه ، عطف الله سبحانه وتعالى قصة الزمخشري آدم على قوله ( وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون ) والمعنى وأقسم قسما لقد أمرنا أباهم آدم ووصيناه أن لا يقرب الشجرة ، وتوعدناه بالدخول في جملة الظالمين إن قربها وذلك ( من قبل ) وجودهم ( من قبل ) أن نتوعدهم فخالف إلى ما نهي عنه وتوعد في ارتكابه مخالفتهم ، ولم يلتفت إلى الوعيد كما لا يلتفتون كأنه يقول : إن أساس أمر بني آدم على ذلك وعرقهم راسخ فيه . انتهى .
والظاهر أن النسيان هنا الترك إن ترك ما وصي به من الاحتراس عن الشجرة وأكل ثمرتها . وقال : يجوز أن يراد بالنسيان الذي هو نقيض الذكر وأنه لم يعن بالوصية العناية الصادقة ولم يستوثق منها بعقد القلب عليها وضبط النفس حتى تولد من ذلك [ ص: 284 ] النسيان . انتهى . وقاله غيره . وقال الزمخشري ابن عطية : ونسيان الذهول لا يمكن هنا لأنه لا يتعلق بالناسي عقاب . انتهى . وقرأ اليماني فنسي بضم النون وتشديد السين أي نساه الشيطان ، والعزم التصميم والمضي . والأعمش
قال : أي على ترك الأكل وأن يتصلب في ذلك تصلبا يؤيس الشيطان من التسويل له ، والوجود يجوز أن يكون بمعنى العلم ومفعولاه ( له عزما ) وأن يكون نقيض العدم كأنه قال وعد منا ( له عزما ) . انتهى . الزمخشري
وقيل ( ولم نجد له عزما ) على المعصية وهذا يتخرج على قول من قال إنه فعل نسيانا . وقيل : حفظا لما أمر به . وقيل : صبرا عن أكل الشجرة . وقيل ( عزما ) في الاحتياط في كيفية الاجتهاد .