أو نهر تيري فلا تعرفكم العرب
ولما كان فيما سبق تعظيم القرآن في قوله ( وقد آتيناك من لدنا ذكرا ) ( وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا ) ذكر عظمة منزله تعالى ثم ذكر هاتين الصفتين وهي صفة ( الملك ) التي تضمنت القهر ، والسلطنة والحق وهي الصفة الثابتة له إذ كل من يدعي إلها دونه باطل لا سيما الإله الذي صاغوه من الحلي ومضمحل ملكه ومستعار ، وتقدم أيضا صفة سلطانه يوم القيامة وعظم [ ص: 282 ] قدرته وذلة عبيده وحسن تلطفه بهم ، فناسب تعاليه ووصفه بالصفتين المذكورتين ، ولما ذكر القرآن وإنزاله قال على سبيل الاستطراد طالبا منه التأني في تحفظ القرآن ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ) أي تأن حتى يفرغ الملقي إليك الوحي ولا تساوق في قراءتك قراءته وإلقاءه ، كقوله تعالى ( لا تحرك به لسانك لتعجل به ) وقيل : معناه لا تبلغ ما كان منه مجملا حتى يأتيك البيان .وقيل : سبب الآية أن امرأة شكت إلى النبي أن زوجها لطمها ، فقال لها ( بينكما القصاص ) ثم نزلت ( الرجال قوامون على النساء ) ونزلت هذه بمعنى الأمر بالتثبت في الحكم بالقرآن . وقيل : كان إذا نزل عليه الوحي أمر بكتبه للحين ، فأمر أن يتأتى حتى يفسر له المعاني ويتقرر عنده . وقال الماوردي : معناه ولا تسأل قبل أن يأتيك الوحي إن أهل مكة وأسقف نجران قالوا : يا محمد أخبرنا عن كذا وقد ضربنا لك أجلا ثلاثة أيام فأبطأ الوحي عليه ، وفشت المقالة بين اليهود قد غلب محمد فنزلت ( ولا تعجل بالقرآن ) أي بنزوله . وقال أبو مسلم ( ولا تعجل ) بقراءته في نفسك أو في تأديته إلى غيرك أو في اعتقاد ظاهره أو في تعريف غيرك ما يقتضيه ظاهره احتمالات .
( من قبل أن يقضى إليك وحيه ) أي تمامه أو بيانه احتمالات ، فالمراد إذا أن لا ينصب نفسه ولا غيره عليه حتى يتبين بالوحي تمامه أو بيانه أو هما جميعا ، لأنه يجب التوقف في المعنى لما يجوز أن يحصل عقيبه من استثناء أو شرط أو غيرهما من المخصصات ، وهذه العجلة لعله فعلها باجتهاد عليه السلام . انتهى . وفيه بعض تلخيص .
وقرأ الجمهور : ( يقضى إليك ) مبنيا للمفعول ( وحيه ) مرفوع به . وقرأ عبد الله والجحدري والحسن وأبو حيوة ويعقوب وسلام والزعفراني وابن مقسم ( نقضي ) بنون العظمة مفتوح الياء وحيه بالنصب . وقرأ كذلك إلا أنه سكن الياء من يقضي . قال صاحب اللوامح : وذلك على لغة من لا يرى فتح الياء بحال إذا انكسر ما قبلها وحلت طرفا . انتهى . الأعمش