وتقدم الكلام على نظير قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=116وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى ) و ( أبى ) جملة مستأنفة مبينة أن امتناعه من السجود إنما كان عن إباء منه وامتناع ، والظاهر حذف متعلق ( أبى ) وأنه يقدر هنا ما صرح به في الآية الأخرى (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=31أبى أن يكون مع الساجدين ) وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ( أبى ) جملة مستأنفة كأنه جواب قائل قال : لم لم يسجد ؟ والوجه أن لا يقدر له مفعول وهو السجود المدلول عليه بقوله ( اسجدوا ) وأن يكون معناه أظهر الإباء وتوقف وتثبط . انتهى .
و ( هذا ) إشارة إلى إبليس و ( عدو ) يطلق على الواحد والمثنى والمجموع ، عرف تعالى
آدم nindex.php?page=treesubj&link=28798عداوة إبليس له ولزوجته ليحذراه فلن يغني الحذر عن القدر ، وسبب العداوة فيما قيل أن إبليس كان حسودا فلما رأى آثار نعم الله على آدم حسده وعاداه . وقيل : العداوة حصلت من تنافي أصليهما إذ إبليس من النار
وآدم من الماء والتراب (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=117فلا يخرجنكما ) النهي له والمراد غيره أي لا يقع منكما طاعة له في إغوائه فيكون ذلك سبب خروجكما من الجنة ، وأسند الإخراج إليه وإن كان المخرج هو الله تعالى لما كان بوسوسته هو الذي فعل ما ترتب عليه الخروج ( فتشقى ) يحتمل أن يكون منصوبا بإضمار أن في جواب النهي وأن يكون مرفوعا على تقدير فأنت تشقى . وأسند الشقاء إليه وحده بعد اشتراكه مع زوجه في الإخراج من حيث كان هو المخاطب أولا والمقصود بالكلام ولأن في ضمن شقاء الرجل شقاء أهله ، وفي سعادته سعادتها فاختصر الكلام بإسناده إليه دونها مع المحافظة على الفاصلة .
وقيل : أراد بالشقاء التعب في طلب القوت وذلك راجع إلى الرجل . وعن
ابن جبير : أهبط له ثور أحمر يحرث عليه فيأكل بكد يمينه وعرق جبينه . وقرأ
شيبة ونافع وحفص nindex.php?page=showalam&ids=13220وابن سعدان ( وإنك لا تظمأ ) بكسر همزة وإنك . وقرأ الجمهور بفتحها فالكسر عطف على أن لك ، والفتح عطف على المصدر المنسبك من أن لا تجوع ، أي أن لك انتفاء جوعك وانتفاء ظمئك ، وجاز عطف ( أنك ) على أن لاشتراكهما في المصدر ، ولو باشرتها إن المكسورة لم يجز ذلك وإن كان على تقديرها ألا ترى أنها معطوفة على اسم إن ، وهو أن لا تجوع لكنه يجوز في العطف ما لا يجوز في المباشرة ، ولما كان الشبع والري والكسوة والسكن هي الأمور التي هي ضرورية للإنسان اقتصر عليها لكونها كافية له .
nindex.php?page=treesubj&link=30387وفي الجنة ضروب من أنواع النعيم والراحة ما هذه بالنسبة إليها كالعدم فمنها الأمن من الموت الذي هو مكدر لكل لذة ، والنظر إلى وجه الله سبحانه ورضاه تعالى عن أهلها ، وأن لا سقم ولا حزن ولا ألم ولا كبر ولا هرم ولا غل ولا غضب ولا حدث ولا مقاذير ولا تكليف ولا حزن ولا خوف ولا ملل ، وذكرت هذه الأربعة بلفظ النفي لإثبات أضدادها وهو الشبع والري والكسوة والسكن ، وكانت نقائضها بلفظ النفي وهو الجوع والعري والظمأ والضحو ليطرق سمعه بأسامي أصناف الشقوة التي حذره منها حتى يتحامى السبب الموقع فيها كراهة لها .
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى نَظِيرِ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=116وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى ) وَ ( أَبَى ) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ أَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنَ السُّجُودِ إِنَّمَا كَانَ عَنْ إِبَاءٍ مِنْهُ وَامْتِنَاعٍ ، وَالظَّاهِرُ حَذْفُ مُتَعَلِّقِ ( أَبَى ) وَأَنَّهُ يُقَدَّرُ هُنَا مَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=31أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ) وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ( أَبَى ) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ كَأَنَّهُ جَوَابُ قَائِلٍ قَالَ : لِمَ لَمْ يَسْجُدْ ؟ وَالْوَجْهُ أَنْ لَا يُقَدَّرَ لَهُ مَفْعُولٌ وَهُوَ السُّجُودُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( اسْجُدُوا ) وَأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَظْهَرَ الْإِبَاءَ وَتَوَقَّفَ وَتَثَبَّطَ . انْتَهَى .
وَ ( هَذَا ) إِشَارَةٌ إِلَى إِبْلِيسَ وَ ( عَدُوٌّ ) يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْمُثَنَّى وَالْمَجْمُوعِ ، عَرَّفَ تَعَالَى
آدَمَ nindex.php?page=treesubj&link=28798عَدَاوَةَ إِبْلِيسَ لَهُ وَلِزَوْجَتِهِ لِيَحْذَرَاهِ فَلَنْ يُغْنِيَ الْحَذَرُ عَنِ الْقَدَرِ ، وَسَبَبُ الْعَدَاوَةِ فِيمَا قِيلَ أَنَّ إِبْلِيسَ كَانَ حَسُودًا فَلَمَّا رَأَى آثَارَ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى آدَمَ حَسَدَهُ وَعَادَاهُ . وَقِيلَ : الْعَدَاوَةُ حَصَلَتْ مِنْ تَنَافِي أَصْلَيْهِمَا إِذْ إِبْلِيسُ مِنَ النَّارِ
وَآدَمُ مِنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=117فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا ) النَّهْيُ لَهُ وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ أَيْ لَا يَقَعُ مِنْكُمَا طَاعَةٌ لَهُ فِي إِغْوَائِهِ فَيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبَ خُرُوجِكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ ، وَأَسْنَدَ الْإِخْرَاجَ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الْمُخْرِجُ هُوَ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا كَانَ بِوَسْوَسَتِهِ هُوَ الَّذِي فَعَلَ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ ( فَتَشْقَى ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِإِضْمَارِ أَنْ فِي جَوَابِ النَّهْيِ وَأَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا عَلَى تَقْدِيرِ فَأَنْتَ تَشْقَى . وَأَسْنَدَ الشَّقَاءَ إِلَيْهِ وَحْدَهُ بَعْدَ اشْتِرَاكِهِ مَعَ زَوْجِهِ فِي الْإِخْرَاجِ مِنْ حَيْثُ كَانَ هُوَ الْمُخَاطَبَ أَوَّلًا وَالْمَقْصُودُ بِالْكَلَامِ وَلِأَنَّ فِي ضِمْنِ شَقَاءِ الرَّجُلِ شَقَاءَ أَهْلِهِ ، وَفِي سَعَادَتِهِ سَعَادَتَهَا فَاخْتَصَرَ الْكَلَامَ بِإِسْنَادِهِ إِلَيْهِ دُونَهَا مَعَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ .
وَقِيلَ : أَرَادَ بِالشَّقَاءِ التَّعَبَ فِي طَلَبِ الْقُوتِ وَذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى الرَّجُلِ . وَعَنِ
ابْنِ جُبَيْرٍ : أُهْبِطَ لَهُ ثَوْرٌ أَحْمَرُ يَحْرُثُ عَلَيْهِ فَيَأْكُلُ بِكَدِّ يَمِينِهِ وَعَرَقِ جَبِينِهِ . وَقَرَأَ
شَيْبَةُ وَنَافِعٌ وَحَفْصٌ nindex.php?page=showalam&ids=13220وَابْنُ سَعْدَانَ ( وَإِنَّكَ لَا تَظْمَأُ ) بِكَسْرِ هَمْزَةٍ وَإِنَّكَ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِفَتْحِهَا فَالْكَسْرُ عَطْفٌ عَلَى أَنَّ لَكَ ، وَالْفَتْحُ عَطْفٌ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُنْسَبِكِ مِنْ أَنْ لَا تَجُوعَ ، أَيْ أَنَّ لَكَ انْتِفَاءَ جَوْعِكَ وَانْتِفَاءَ ظَمَئِكَ ، وَجَازَ عَطْفُ ( أَنَّكَ ) عَلَى أَنَّ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَصْدَرِ ، وَلَوْ بَاشَرَتْهَا إِنَّ الْمَكْسُورَةُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَلَى تَقْدِيرِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى اسْمِ إِنَّ ، وَهُوَ أَنْ لَا تَجُوعَ لَكِنَّهُ يَجُوزُ فِي الْعَطْفِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْمُبَاشَرَةِ ، وَلَمَّا كَانَ الشِّبَعُ وَالرِّيُّ وَالْكُسْوَةُ وَالسَّكَنُ هِيَ الْأُمُورَ الَّتِي هِيَ ضَرُورِيَّةٌ لِلْإِنْسَانِ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا كَافِيَةً لَهُ .
nindex.php?page=treesubj&link=30387وَفِي الْجَنَّةِ ضُرُوبٌ مِنْ أَنْوَاعِ النَّعِيمِ وَالرَّاحَةِ مَا هَذِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا كَالْعَدَمِ فَمِنْهَا الْأَمْنُ مِنَ الْمَوْتِ الَّذِي هُوَ مُكَدِّرٌ لِكُلِّ لَذَّةٍ ، وَالنَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَرِضَاهُ تَعَالَى عَنْ أَهْلِهَا ، وَأَنْ لَا سَقَمَ وَلَا حُزْنَ وَلَا أَلَمَ وَلَا كِبَرَ وَلَا هَرَمَ وَلَا غِلَّ وَلَا غَضَبَ وَلَا حَدَثَ وَلَا مَقَاذِيرَ وَلَا تَكْلِيفَ وَلَا حُزْنَ وَلَا خَوْفَ وَلَا مَلَلَ ، وَذُكِرَتْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ بِلَفْظِ النَّفْيِ لِإِثْبَاتِ أَضْدَادِهَا وَهُوَ الشِّبَعُ وَالرِّيُّ وَالْكُسْوَةُ وَالسَّكَنُ ، وَكَانَتْ نَقَائِضُهَا بِلَفْظِ النَّفْيِ وَهُوَ الْجُوعُ وَالْعُرْيُ وَالظَّمَأُ وَالضَّحْوُ لِيُطْرَقَ سَمْعُهُ بِأَسَامِي أَصْنَافِ الشِّقْوَةِ الَّتِي حَذَّرَهُ مِنْهَا حَتَّى يَتَحَامَى السَّبَبَ الْمُوقِعَ فِيهَا كَرَاهَةً لَهَا .