النوع الثالث : فما دنا منها من المشقة العليا أوجب التخفيف ، وما دنا منها من المشقة الدنيا لم يوجب التخفيف إلا عند مشاق واقعة بين هاتين المشقتين مختلفة في الخفة والشدة أهل الظاهر ، كالحمى الخفيفة ووجع الضرس اليسير وما وقع بين هاتين الرتبتين مختلف فيه ، ومنهم من يلحقه بالعليا ، ومنهم من يلحقه بالدنيا ، فكلما قارب العليا كان أولى بالتخفيف ، وكلما قارب الدنيا كان أولى بعدم التخفيف ، وقد توسط مشاق بين الرتبتين بحيث لا تدنو من أحدهما فقد يتوقف فيها ، وقد يرجح بعضها بأمر خارج عنها ، وذلك كابتلاع الدقيق في الصوم ، وابتلاع غبار الطريق ، وغربلة الدقيق لا أثر له لشدة مشقة التحرز منها ولا يعفى عما عداها مما تخف المشقة في الاحتراز عنه وفي ما بينهما كابتلاع ماء المضمضة مع الغلبة اختلاق لوقوعه بين [ ص: 11 ] الرتبتين .
ولما كانت المبالغة مستندة إلى تقصيره بفعله ما نهى عنه ألحقها بعضهم بما تيسر الاحتراز عنه وأبطل بها الصوم ، وألحقها بعضهم بالمضمضة لوقوعها عن الغلبة ، وتختلف المشاق باختلاف العبادات في اهتمام الشرع فما اشتد اهتمامه به شرط في تخفيفه المشاق الشديدة أو العامة ، وما لم يهتم به خففه بالمشاق الخفيفة ، وقد تخفف مشاقه مع شرفه وعلو مرتبته لتكرر مشاقه كي لا يؤدي إلى المشاق العامة الكثيرة الوقوع .
مثاله : ترخيص الشرع في الصلاة التي من أفضل الأعمال تقام مع الخبث الذي يشق الاحتراز منه ، ومع الحدث في حق المتيمم والمستحاضة ، ومن كان عذره كعذر المستحاضة .
وكذلك ثلاثة أقسام : منها ما يعظم فيمنع وجوب الحج ، ومنها ما يخف ولا يمنع الوجوب ، ومنها ما يتوسط فيتردد فيه ، وما قرب منه إلى المشقة العليا كان أولى بمنع الوجوب ، وما قرب منه إلى المشقة الدنيا كان أولى بألا يمنع الوجوب . المشاق في الحج