حالان : إحداهما أن يكون من محرمات العبادة كالكلام ، والفعل الكثير في الصلاة ، وارتكاب محظورات الحج ، ومنهيات الصيام ، والاعتكاف مع نسيان العبادة التي هو ملابسها ، فإن كان منهي العبادة من قبيل الإتلاف كقتل الصيد في الإحرام ، وحلق [ ص: 4 ] الشعر ، وقلم الأظفار ، لم تسقط كفارته ; لأنها وجبت جابرة ، والجوابر لا تسقط بالنسيان ، وإن لم يكن منهي العبادة إتلافا سقط إثمه من غير بدل . ولمن نسي التحريم
ولو لم تصح ; لأنه نسي مأمورا به ، ولو صلى ناسيا لطهارة الحدث ففي عذره قولان مأخذهما أن الطهارة عن النجس من جملة المأمورات كالطهارة عن الحدث ، وأن استصحاب النجاسة في الصلاة من قبيل المنهيات ، وإنما وجب تدارك المأمورات إذا ذكرت ; لأن الغرض تحصيل مصلحتها وهي ممكنة التدارك بعد الذكر ، والغرض من المنهي دفع المفاسد ، فإذا وقع المنهي وتحققت مفسدته لم يمكن رفعا بعد وقوعها . صلى ناسيا لنجاسة لا يعفى عن مثلها في حال الاختيار
الحال الثانية : أن لا يختص تحريمها بالعبادة فيسقط إثمه ويجب الضمان ، كمن باع جاريته ثم نسي بيعها فوطئها ، أو أبان زوجته ثم نسي إبانتها فوطئها ، أو أعتق أمته ثم نسي عتقها فوطئها ، أو باعها ، أو باع طعاما ثم نسي بيعه فأكله ، فلا إثم عليه في ذلك كله ، ولا ينفذ تصرفه ، ويلزمه ضمان ما أتلفه من منافع البضع وغيره ; لأن الضمان من الجوابر ، والجوابر لا تسقط بالنسيان .
ولو حلف بالله على شيء أو بطلاق أو إعتاق ثم فعل ما حلف عليه ناسيا لحلفه ففيه قولان بين العلماء والمختار حنثه ، وبه قال الأئمة الثلاثة ; لأن اللفظ لم يغلب في عرف الاستعمال على حال الذكر فيتقيد بها .
( فائدة ) : الغالب من النسيان ما يقصر أمده ولا يستمر على طول الزمان إلا ما ندر منه ، فمن فإن قصر زمانه عفي عنه اتفاقا ، وإن طال زمانه ففيه مذهبان : أحدهما يعفى عنه ; لأنه ينتهك الحرمة به . أتى بمحظور الصلاة مع النسيان
والثاني : لا يعفى عنه ; لأن الشرع قد فرق في الأعذار بين غالبها ونادرها ، [ ص: 5 ] فعفا عن غالبها لما في اجتنابه من المشقة الغالبة ، وآخذ بنادرها ; لانتفاء المشقة الغالبة ، فإنا نفرق بين دم البراغيث والبثرات ، وبين غيرهما من النجاسات النادرات ، وكذلك نفرق بين فضلة الاستجمار لغلبة الابتلاء بها ، وبين غيرها من النجاسات .