[ 7028 ] أخبرنا ، حدثنا أبو عبد الله الحافظ أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني ، حدثنا النعمان بن أحمد بن نعيم الواسطي قاضي تستر ، حدثنا الحسين بن علي الأزدي المعروف بابن السمسار ، حدثنا محمد بن علي النحوي ، حدثنا الفضل بن الربيع قال : حج أمير المؤمنين قال : فبينما أنا ليلة نائم هارون الرشيد بمكة إذ سمعت قرع الباب فقلت : من هذا ؟ فقال : أجب أمير المؤمنين ، فخرجت مسرعا فقلت : يا أمير المؤمنين هلا أرسلت إلي فآتيك ، فقال له : حك في نفسي شيء ، فانظر لي رجلا أسأله عنه ، فقلت : هاهنا ، قال : فامض بنا إليه ، فأتيناه فقرعت عليه الباب ، فقال : من هذا ؟ فقال : أجب أمير المؤمنين ، فخرج مسرعا ، فقال : يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك ، فقال له : خذ لما جئناك له رحمك الله فحادثه ساعة ، فقال له : أعليك دين ؟ قال : نعم ، قال : يا عباسي اقض دينه ، ثم التفت إلي فقال : يا عباسي ما أغنى عني صاحبك شيئا ، فانظر لي رجلا أسأله ، فقلت : هاهنا سفيان بن عيينة ، فقال : امض بنا إليه فأتيناه ، فقرعت عليه الباب ، فقال : من هذا ؟ فقلت : أجب أمير المؤمنين فخرج مسرعا ، فقال : يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك ، فقال : خذ لما جئناك له رحمك الله فحادثه ساعة ، ثم قال له : أعليك دين ؟ قال : نعم ، قال : يا عباسي اقض دينه ، ثم التفت إلي ، فقال : ما أغنى عني صاحبك شيئا فانظر لي رجلا أسأله ، فقلت : هاهنا عبد الرزاق بن همام ، فقال : امض بنا إليه فأتيناه فإذا هو قائم يصلي يتلو آية من [ ص: 512 ] كتاب الله ويرددها ، وكان فضيل بن عياض هارون رجلا رقيقا فبكى بكاء شديدا ، ثم قال لي : اقرع الباب ، فقرعته فقال : من هذا ؟ فقلت : أجب أمير المؤمنين ، فقال : ما لي ولأمير المؤمنين ؟ فقلت : سبحان الله أوما عليك طاعة ؟ أوليس قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ؟ " لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه "
قال : فنزل ففتح الباب ، ثم ارتقى إلى الغرفة وأطفأ السراج والتجأ إلى زاوية من زوايا الغرفة ، فجلس فيها فجعلنا نجول عليه بأيدينا فسبقت كف هارون قبل كفي إليه ، فقال : أوه من كف ما ألينها ، إن نجت من عذاب الله ، قال : فقلت في نفسي ليكلمنه الليلة بكلام نقي من قلب تقي ، قال فقال له : خذ لما جئناك له رحمك الله ، فقال له : يا أمير المؤمنين بلغني أن عاملا شكى إليه ، فكتب إليه : يا أخي اذكر طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد ، فإن ذلك يطرق بك إلى الرب نائما ويقظانا ، وإياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد لك ومنقطع الرجاء ، فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على لعمر بن عبد العزيز ، فقال له عمر : ما أقدمك ؟ قال : خلعت قلبي بكتابك لا وليت ولاية حتى ألقى الله ، قال : فبكى عمر بكاء شديدا ثم قال له : زدني رحمك الله ، فقال : يا أمير المؤمنين بلغني أن هارون الرشيد لما ولي الخلافة دعا عمر بن عبد العزيز سالم بن عبد الله ومحمد بن كعب القرظي ورجاء بن حيوة فقال لهم : إني قد بليت بهذا البلاء فأشيروا علي فعد الخلافة بلاء وعددتها أنت وأصحابك نعمة ، فقال : إن أردت محمد بن كعب القرظي فليكن كبير المسلمين عندك أبا ، وأوسطهم عندك أخا ، وأصغرهم عندك ولدا ، فوقر أباك ، وأكرم أخاك ، وتحنن على ولدك ، وقال له النجاة من عذاب الله تعالى : إن أردت النجاة من عذاب الله تعالى فصم عن الدنيا وليكن إفطارك منها الموت وقال له سالم بن عبد الله : إن أردت النجاة غدا من عذاب الله تعالى فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك ، واكره لهم ما تكره لنفسك ، وإني لأقول لك هذا وإني لأخاف عليك أشد الخوف يوم تزل فيه الأقدام ، فهل معك رحمك الله من يأمرك بمثل هذا ؟ فبكى رجاء بن حيوة هارون بكاء شديدا حتى غشي عليه ، فقلت : ارفق بأمير المؤمنين فقال : يا ابن أم الربيع تقتله أنت وأصحابك وأرفق به أنا ، ثم إنه أفاق فقال : زدني رحمك الله ، فقال له : يا أمير المؤمنين يا حسن الوجه : أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة ، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من حر النار فافعل ، فقال له : عليك دين ؟ [ ص: 513 ] قال : نعم ، دين لربي ولم يحاسبني عليه ، فالويل لي إن سألني ، والويل لي إن ناقشني ، والويل لي إن لم ألهم حجتي ، فقال : إنما أعني دين العيال ، فقال : إن ربي لم يأمرني بهذا ، أمرني أن أصدق وعده وأن أطيع أمره ، فقال عز من قائل : ( هارون الرشيد وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ) .
فقال له : هذه ألف دينار فخذها وأنفقها على نفسك وتقو بها على عبادة ربك ، فقال : سبحان الله ، أنا أدلك على النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا ، سلمك الله ووفقك ، قال : فخرجنا من عنده فبينما نحن على الباب إذ بامرأة من نسائه ، قالت له : يا قد ترى ضيق ما نحن فيه من الحال ، فلو قبلت هذا المال ، وفرجتنا به ، فقال لها : مثلي ومثلكم مثل قوم كان لهم بعير يستقون عليه ، فلما كبر نحروه وأكلوا لحمه ، فلما سمع هذا الكلام ، قال : نرجع فعسى أن يقبل هذا المال ، فلما أحس به أبا عبد الله الفضيل خرج إلى تراب في السطح فجلس عليه ، وجاء هارون فجلس إلى جنبه فجعل يكلمه ولا يجيبه بشيء ، فبينا نحن كذلك إذا بجارية سوداء قد خرجت علينا ، فقالت : قد آذيتم الشيخ منذ الليلة انصرفوا رحمكم الله ، قال : فخرجنا من عنده ، فقال : يا عباسي إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا ، فهذا سيد المسلمين .
قال : وقال الفضيل : تقرأ في وترك نخلع وتترك من يفجرك ثم تغدو إلى الفاجر فتعامله .
قال : وقال الفضيل : لا تنظر إليهم من طريق الغلظة عليهم ، ولكن انظر من طريق الرحمة يعني السلطان .