(26) السادس والعشرون من شعب الإيمان " وهو باب في الجهاد "
قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ) .
قال رحمه الله : " وكانت للنبي صلى الله عليه وسلم قبل فرض الجهاد منازل مع المشركين ، فأول ذلك أنه كان يوحى إليه ولا يؤمر في غير نفسه بشيء ثم الحليمي فقيل له . أمر بالتبليغ
" قم فأنذر "
فأشفق من ذلك فنزل : ( يا أيها الرسول بلغ ) - إلى قوله - ( والله يعصمك من الناس ) .
فلما بلغ كذبوه واستهزؤوا به فأمر بالصبر فقيل له : ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين ) .
ثم أمر باعتزالهم فنزل : ( واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا )
ونزل ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين )
ثم فنزل : ( أذن لمن آمن به في الهجرة دونه ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ) .
[ ص: 77 ] ثم ونزل : ( أمر الله تعالى جده رسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ) .
فهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إن فنزل : ( الله تعالى أذن لهم في قتال من قاتلهم وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) .
ثم أذن لهم في الابتداء فنزل : . . ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ) .
وقد قرئ : (يقاتلون) فيرجع إلى معنى ما قبله .
ثم إن صلى الله عليه وسلم وفرض الهجرة على المتخلفين الله عز وجل فرض الجهاد على رسوله بمكة من المسلمين فأنزل الله عز وجل في فرض الجهاد : ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ) .
( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة ) .
( وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم ) .
وغير ذلك من الآيات ثم ألزم الجهاد إلزاما لا يخرج منه فقال : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به ) .
والمراد بهذا أنه لما فرض الجهاد صار قبوله والطاعة له فيه من الإيمان وكان فرضه بشرط أن من قتل أو قتل في سبيل الله فله الجنة فمن قبله على هذا كان باذلا نفسه وذلك في صورة المبايعة فكانوا بائعين والله جل جلاله مشتريا من هذا الوجه وكل ذلك بايع ثمن إلى أجل مكلف أن يسلم فتبين بذلك فرض الجهاد ولزومه ، والله أعلم .
[ ص: 78 ] وجاء في قول الله عز وجل : ( الحث على الجهاد والتحريض عليه والإشارة إلى فضله والثواب عليه يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين )
فدلهم على ما في الجهاد من عاجل الفائدة وآجلها فأما العاجل فهو النصر على الأعداء وما يرزقونه من فتح بلادهم ونعيم أموالهم وأهليهم وأولادهم .
وأما الآجل فهو الجنة والنعيم المقيم ، وقال : ( فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما ) .
وقال في مدح المجاهدين والثناء عليهم : ( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم ) .
وقال : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما ) .
وقال : ( ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون ) .
[ ص: 79 ] وقال في ( حياة الشهداء : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) .
وقال : ( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون ) .